تقارير-و-تحقيقات

الإفتاء توضح أحكام التطهر في حالات الجهل بموضع النجاسة ومرضى الكولوستومي

 

تقرير: مصطفى على

في إطار جهودها المستمرة لتبسيط الأحكام الشرعية وتقديم الفقه الإسلامي بأسلوب يسهل على العامة فهمه وتطبيقه، أجابت دار الإفتاء المصرية عن استفسارين شرعيين يمسان جانبًا حيويًا من حياة المسلم اليومية، وهو جانب الطهارة، وتحديدًا في حالتين تستدعيان اهتمامًا فقهيًّا خاصًا: الأولى عند الوقوع في النجاسة دون تحديد موضعها، والثانية تخص المصابين بمرض يتطلب استخدام كيس خارجي للإخراج “الكولوستومي”.
وقد جاءت هذه الفتاوى في إطار حملة “اعرف الصح” التي أطلقتها الدار لرفع الوعي الديني وتيسير فهم الشريعة الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بأحكام الطهارة في حالات العذر والمرض.

عند الجهل بموضع النجاسة: ما هو الحكم الشرعي للطهارة؟

يتكرر كثيرًا في حياة المسلم سؤال محوري: إذا وقعت النجاسة على الجسد أو الثوب أو المكان، ولكن لا أستطيع تحديد موضعها، فكيف أؤدي الصلاة وأنا لا أعلم تحديدًا أين وقعت النجاسة؟ هذا السؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية، التي أوضحت الحكم الفقهي بالتفصيل والبيان.

غسل الموضع عند العلم:

في حال علم الإنسان أن نجاسةً قد أصابت ثوبه أو بدنه، وكان يعلم الموضع تحديدًا، فإن الأمر بسيط: يغسل ذلك الموضع فقط، ولا حاجة لغسل كل الثوب أو الجسد، لأن الطهارة تتطلب إزالة عين النجاسة فقط حيث وجدت.

غسل الثوب أو البدن كاملًا عند الجهل بالمكان:

أما إذا لم يعلم الإنسان موضع النجاسة تحديدًا، فإن الحكم يتغير وهنا أفتت دار الإفتاء بأن غسل كل الثوب أو البدن يصبح واجبًا في هذه الحالة؛ لأن موضع النجاسة مجهول، ولا سبيل للتيقن من الطهارة إلا بغسل الكل، تطبيقًا لقاعدة إزالة النجاسة باليقين، ودرءًا للشك في طهارة موضع الصلاة.

ما الحكم إذا كانت النجاسة على الأرض أو المكان؟

أما إذا كانت النجاسة قد أصابت مكانًا من الأرض أو البساط، وكانت المساحة صغيرة، فهنا أيضًا يُشترط غسل كامل المساحة قبل الصلاة، طالما أن موضع النجاسة غير محدد.
أما في حال كان المكان واسعًا جدًا، فلا يُشترط غسل جميعه؛ وذلك لأن التكليف في هذه الحالة يصبح فيه مشقة بالغة، والشريعة الإسلامية جاءت برفع الحرج، لذا يجوز الصلاة في أي جزء من المكان ما دام لا يعرف يقينًا أنه متنجس.

طهارة مريض “الكولوستومي”: الإسلام يراعي أحوال المرضى

الفتوى الثانية التي أثارت اهتمامًا واسعًا من جمهور المتابعين كانت تلك المتعلقة بـطهارة المريض الخاضع لعملية “كولوستومي”.
هذا النوع من الجراحات يتطلب إخراج جزء من الأمعاء إلى خارج الجسم، ليمر الإخراج عبر فتحة صناعية في البطن إلى كيس خاص ويصاحب ذلك فقدان المريض للسيطرة الإرادية على عملية الإخراج، مما يثير قلقًا كبيرًا حول إمكانية أداء الصلاة والطهارة المطلوبة لها.

الكولوستومي ليس عائقًا أمام الصلاة:

أوضحت دار الإفتاء أن هذا العذر الصحي لا يمنع المريض من أداء صلاته، لا فرضًا ولا نافلة، وأكدت أن الشريعة لا تسقط التكليف بسبب العجز أو المرض، بل تنظم كيفية أدائه بما يراعي الحالة الصحية.
وأضافت الدار أن للمريض أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الصلوات، ما دام لم ينتقض وضوؤه بناقض آخر غير ما هو مبتلى به.

العناية بطهارة الظاهر:

وأشارت الدار إلى وجوب حرص المريض في حدود استطاعته على طهارة الظاهر من بدنه، خاصة في موضع خروج النجاسة، وأكدت على ضرورة أن تبقى النجاسة محصورة في محلها وألا تتجاوز الموضع المخصص، وذلك وقت أداء الصلاة فإذا حدث تجاوز خارج عن الإرادة، فإن ذلك لا يُبطل الصلاة، ما دام المريض فعل ما في وسعه، لقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها».

 

هدف الحملة: تيسير الفقه وتبديد الحرج

تصدر هذه الفتاوى عن دار الإفتاء المصرية ضمن حملة توعوية تحت شعار: “اعرف الصح”، والتي تهدف إلى رفع الوعي الديني وتبديد الخرافات والشكوك التي تحيط بمسائل فقهية تتعلق بالحياة اليومية، لا سيما تلك التي يعاني فيها الناس من أحوال خاصة كالأمراض والإعاقات.

وتؤكد الحملة أن الفقه الإسلامي قائم على التيسير لا التعسير، وأن الشريعة الإسلامية راعت اختلاف أحوال الناس، خصوصًا المرضى وأصحاب الأعذار، وأتاحت لهم أداء عباداتهم دون حرج، وفقًا لقاعدة “المشقة تجلب التيسير”.

الإسلام دين رحمة.. والفتوى تواكب الواقع

تبرز أهمية هذه الفتاوى في أنها تعكس مرونة الفقه الإسلامي في التعامل مع الوقائع المتغيرة والأعذار الطارئة، وهي تذكر المسلمين بأن الطهارة شرطٌ مهم في العبادة، لكن الإسلام لا يشترط في الطهارة ما يتجاوز طاقة المكلّف فعند الجهل بموضع النجاسة، يُؤخذ بالأيسر ما دام الشك قائمًا، وعند المرض يُؤخذ بالحال التي لا تكلّف ما لا يُطاق.

ومع انتشار الحالات الطبية الخاصة، وازدياد التساؤلات حول أثرها على العبادة، يأتي دور المؤسسة الدينية لتضع الأمور في نصابها، فـالإسلام لا يُعطل العبادة ولكنه ينظمها بما يناسب ظروف كل فرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى