إبراهيم عيسى يشكك في شعائر العيد وقصة الذبيحة.. والأزهر يرد بقوة
تقرير: مصطفى على
في مشهد لم يخلو من الجدل والانتقادات عاد الإعلامي المصري إبراهيم عيسى لإثارة الجدل مجددًا مع حلول عيد الأضحى المبارك وذلك من خلال مقطع فيديو بثه على منصاته الإلكترونية بعنوان “خطبتي في عيد الأضحى.. أعاده الله عليكم بالعقل”، ألقى فيه تساؤلات وانتقادات تمس الموروث الديني، وتحديدًا شعائر العيد وقصة الذبيح الشهيرة، في خطوة أثارت غضب عدد من علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء.
تشكيك علني في شعائر العيد: لماذا نصلي في الخلاء؟
في المقطع الذي انتشر بشكل واسع، بدأ إبراهيم عيسى بالتساؤل حول الحكمة من إقامة صلاة عيد الأضحى في الخلاء، على خلاف ما هو شائع من أداء الصلوات داخل المساجد.
وأكد قائلاً: “منذ طفولتي وأنا أرى خطبة عيد الأضحى تتكرر كل عام دون تغيير”، معبّرًا عن امتعاضه من التكرار و”الجمود” في محتوى خطب العيد.
أشار عيسى إلى أن المسلمين يتبعون سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أداء الصلاة في الخلاء دون إدراك “العلّة النبوية” حسب تعبيره موضحًا أن الصلاة في الصحراء كانت بدافع الازدحام في المساجد آنذاك، في إشارة إلى أنّ التطبيق اليوم قد يكون غير مبرر في ظل وجود مساجد واسعة ومجهزة.
لكن تعليقاته هذه اعتبرها البعض تقليلاً من شأن السنة النبوية، ومحاولة لتقويض الثوابت الدينية التي جُبل عليها المسلمون، خاصة في شعائر كبرى كعيد الأضحى، الذي يحمل رمزية خاصة في ذاكرة الأمة الإسلامية.
الطعن في قصة سيدنا إبراهيم وذبح ابنه: أين الطاعة؟
إلا أن ما فجّر موجة الغضب الأكبر، كان حديث عيسى عن قصة النبي إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، والتي تمثل حجر الزاوية في رمزية عيد الأضحى.
فقد تساءل الإعلامي عن المعنى الذي يحمله هذا الموقف، قائلاً إنه لم يجد تفسيرًا واضحًا يدل على أن هذه القصة تعبّر عن “طاعة الوالدين”، مشيرًا إلى أن مضمونها لا يخدم هذا المعنى التربوي كما يُروَّج له في الدروس والخطب الدينية.
واعتبر البعض أن هذا التشكيك يشكل مساسًا بإحدى أعظم قصص القرآن الكريم، والتي ارتبطت بشكل وثيق بشعيرة الأضحية، ما دفع عددًا من العلماء والمفكرين إلى الرد عليه بسرعة.
رد صارم من الأزهر: “ماذا عن عقل يرى أنها لا علاقة لها بالطاعة؟”
الدكتور عباس شومان، أحد أبرز علماء الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، لم يتأخر في الرد، حيث نشر على صفحته الرسمية بموقع “فيس بوك” آيات من سورة الصافات التي توثق هذا الحدث العظيم، معلقًا بعبارة حاسمة:
“ماذا عن عقل يرى أنها لا علاقة لها بطاعة الوالدين؟!”
الآية التي استشهد بها الدكتور شومان كانت:
(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)
وجاء هذا الرد كدليل شرعي قاطع على المعنى الحقيقي للقصة، وهو طاعة الولد لأبيه، وقبول قضاء الله، والامتثال الكامل لأوامره، حتى وإن كان الثمن هو الحياة نفسها.
قصة الذبيح في القرآن: مدرسة للتسليم والصبر واليقين
في عمق القصة التي وثقها القرآن الكريم، يظهر النبي إبراهيم عليه السلام وهو يبلغ ولده إسماعيل، الذي بلغ أشدّه، رؤيا أُمر فيها بذبحه، فيستجيب إسماعيل دون تردد بل يضيف إلى طاعته أدبًا رفيعًا وهو يقول: “يا أبتِ” النداء الذي يحمل بين طياته معاني التوقير والتبجيل، في صورة أبدية من صور الطاعة التي لا تتكرر.
ثم تتوالى مشاهد القصة كما جاءت في سورة الصافات:
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ • وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ • قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ • إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ • وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
وهنا يبلغ الذروة في التسليم: الأب يتهيأ لتنفيذ أمر الله، والابن يُسلم وجهه وقلبه لله، ليأتي الفداء الإلهي بكبش من السماء، ويُخلّد المشهد في القرآن الكريم، وتُشرَّع الأضحية رمزًا لهذا البلاء والامتثال والطاعة الكاملة.
العبرة من القصة: طاعة لله وامتثال لأمره قبل أن تكون درسًا عائليًا
رغم أن القصة تتضمن طاعة إسماعيل لأبيه، إلا أن العبرة الكبرى منها هي الطاعة المطلقة لله تعالى، والتي تجلت في أعلى صورها حين استسلم نبيان عظيمان للأمر الإلهي.
فلا تقتصر رمزية القصة على العلاقة بين الأب وابنه، بل تتجاوزها إلى علاقة الإنسان بربه، ومدى استعداده للتضحية بأغلى ما يملك في سبيل الامتثال لأمر الله، وهي روح العبادة التي يسعى المسلمون لاستحضارها في موسم الحج والأضاحي.
دعوة لتقدير الإرث النبوي لا الاستخفاف به
في ضوء هذه الجدل، تتجدد الدعوة لإبقاء الشعائر الدينية في حرمتها، ولتفهم الموروث النبوي بعيدًا عن التشكيك أو السخرية، خاصة من قبل شخصيات إعلامية.
وقد اعتبر متابعون أن ما فعله إبراهيم عيسى لا يدخل في إطار حرية التعبير فقط، بل يتعداها إلى الاستخفاف بثوابت راسخة في الدين الإسلامي، ما يفتح بابًا واسعًا أمام تأويلات خطيرة يمكن أن تزرع الشك في نفوس الشباب، إذا لم تُقابل بالتصحيح والرد العلمي الرصين.
عيد الأضحى مناسبة للاتحاد لا الانقسام
ومع حلول عيد الأضحى المبارك، تبقى هذه القصة العظيمة درسًا خالدًا في الصبر والتسليم والطاعة، وتبقى الشعائر التي سنّها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مصدر وحدة بين المسلمين لا مجال فيها للاجتهادات الفردية المثيرة للفتنة.
ولا شك أن التجاذبات الإعلامية والدينية في مثل هذه المناسبات تُحتّم ضرورة تعزيز وعي الناس بمعاني العيد الحقيقية، بعيدًا عن إثارة الشكوك أو الطروحات غير المؤصلة، خاصة في زمن باتت فيه الكلمة تنتشر أسرع من النار في الهشيم.