العريس مديون والفرح واجهة اجتماعية بثمن باهظ
أفراح الصعيد بين ديون المظاهر وضوء المبادرات
كتب: محمود حسن محمود
في محافظات الصعيد، لا يزال الزواج يحمل طابعاً مميزاً مليئاً بالطقوس والعادات المتوارثة، لكن هذه العادات أصبحت في كثير من الأحيان عبئاً ثقيلاً على كاهل الشباب، حتى باتت الديون أولى خطوات تكوين الأسرة، لا الاستقرار.
فرح بآلاف الجنيهات… ثم يبدأ “شهر العسل مع الأقساط”
مشهد متكرر في قرى محافظات الصعيد :
ليلة صاخبة، وفرقة شعبية تهز الشارع، وأحياناً ذبائح لواجب الضيافة بالفرح، ثم تصوير احترافي، وفيديوهات تنشر على “فيسبوك”… وفي الصباح، شاب عليه عشرات بل مئات الآلاف من الجنيهات، حيث يتنقل طوال حياته بين أقساط الجمعية، لسداد مصاريف العرس.
يقول صلاح، م (38 عاماً)، من إحدى القرى بمركز طهطا في محافظة سوهاج:
“أنا موظف على قدي، اتجوزت بعد ما استلفت من 3 أشخاص، كل ده علشان أعمل فرح يرضي الناس.. دلوقتي أول شهر جواز وأنا مديون بـ60 ألف جنيه!”
القائمة وشروط أهل العروسة… عبء إضافي

ليست مظاهر الفرح وحدها ما يُرهق العريس، فـ”القائمة” ومتطلبات أهل العروس تمثل تحدياً آخر، فبدلًا من الاكتفاء بالأساسيات، يُطلب من الشاب: غرفة نوم كاملة بـ”مودرن” حديث، وأدوات كهربائية من نوع معين، ومبلغ مالي كعشاء للعروسة يصل في بعض القرى لـ 100 ألف جنيه، بالإضافة لـ”شبكة” بجانب مؤخر كبير.
يقول، محمد، أ، 29 عاماً، من مركز المراغة بسوهاج:
“أهل العروسة كانوا طالبين 12 بند في القائمة التي تصل لما يزيد عن المليون جنيه، لو نسيت حاجة بسيطة، يقولوا: ده مش حريص على بنتنا!”
الجانب الآخر من الصورة: أفراح بسيطة… بقلوب مرتاحة
ورغم هذا المشهد المثقل بالمظاهر، هناك من اختار أن يعيد تعريف الفرح، ويُقيمه على بساطته، ببعض الزينة، دي جي بسيط، ووليمة عائلية، وهؤلاء الشباب يصفون تجربتهم بأنها أكثر راحة وصدقاً.
تقول ش.م (محامية متزوجة حديثاً من قنا):
“عملنا فرح بسيط في البيت، الجيران جابوا الكراسي، وزينة بسيطة، وفرحنا من قلبنا.. مفيش دين ولا قلق، ودي كانت أحلى بداية لحياتنا.”
مبادرات مجتمعية تكسر الحلقة
في ظل هذا الواقع، ظهرت في محافظات الصعيد، المنيا، اسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، العديد من المبادرات الأهلية والشبابية، التي تهدف إلى تخفيف أعباء الزواج، منها: مبادرة مشروع مودة التابع لوزارة التضامن الاجتماعي على مستوى محافظات الجمهورية، ومبادرة إلغاء النيش وخفض جرامات الذهب بالمنيا، ومبادرة “فرحنا ببساطة” بمركز المراغة في سوهاج، وتدعو لتقليص تكاليف الأفراح، وإقامة حفلات مجمعة أو رمزية، وكذلك مبادرة “زواج بلا ديون”: حملة يقودها عدد من أئمة المساجد في طهطا بسوهاج، عبر خطب الجمعة والندوات التوعوية، وغير ذلك الكثير.
جهود مجالس العائلات
في بعض القرى بمحافظات الصعيد، يجتمع كبار العائلات، ليتفق على تقليل شروط القائمة، ومنع فرض الشبكة الباهظة، والتشجيع على الفرح البسيط، حيث تحدث الشيخ محمد ذكي، أمين عام اللجنة العليا المصالحات بالأزهر الشريف، مستشهداً بقول الله تعالى بسورة البقرة : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”.. وأشار إلى أن المهر في الإسلام ليس تنافساً، والفرح الحقيقي يبدأ حين تكون النفوس مرتاحة لا مثقلة بالديون.”
توصيات واقعية لمواجهة الظاهرة
تقول الرائدة الريفية فاطمة محمد : هذه الظاهرة تتطلب تكثيف التوعية في المدارس والمساجد عن أضرار التباهي والتكلف الزائد، وكذلك تشجيع النموذج البسيط ونشر قصص ناجحة لشباب تزوجوا بدون ديون”.
وأشارت إلى أهمية دورة قادة المجتمع ورجال الدين في تنظيم اتفاقات عائلية وقروية لتحديد “سقف معقول” للفرح ومتطلبات الزواج، لكسر الصورة النمطية للفرح “الفخم” وربط الزواج بالقيم لا بالمظاهر.
في قرى محافظات الصعيد، ما زال الزواج حلماً مشروعاً، لكنه صار مكلفاً حد الاستنزاف، ليبقى الأمل في وعي مجتمعي أكبر يعيد التوازن، ويعيد للأفراح معناها الحقيقي: الفرح… لا الفرح بالدين.