دعاء سورة يس بين فضل التلاوة وتجربة الاستجابة
قرير:مصطفى على
من بين سور القرآن الكريم، تحتل سورة “يس” مكانة فريدة في قلوب المسلمين، فهي تُعرف بـ”قلب القرآن”، وتحمل بين آياتها أسرارًا روحانية وطاقات إيمانية يعتقد الكثيرون بأنها مفاتيح للفرج والرزق وقضاء الحاجات.
ووسط هذا الفضل العظيم، برز ما يُعرف بـ”دعاء سورة يس”، والذي يُردده المؤمنون عقب تلاوتها، رجاء أن يكون هذا الدعاء وسيلة للفتح والتيسير.
هذا التقرير يستعرض مضمون هذا الدعاء، ويكشف آراء العلماء حول مشروعيته، ويعرض ما ورد عن فضل سورة “يس” في النصوص الشرعية، والحدود بين التجربة والشرع في تكرارها ودعائها.
دعاء سورة يس… كلمات تُفتح بها أبواب السماء
يُردد كثير من المسلمين دعاءً مخصوصًا عقب قراءة سورة “يس”، يُعرف بـ”دعاء سورة يس”، ويُعد بمثابة مناجاة طويلة يتوسل فيها العبد إلى ربه بأسمائه الحسنى، وببركة هذه السورة، أن يُفرّج همَّه ويقضي حاجته ويرزقه من حيث لا يحتسب.
ومن أبرز عبارات هذا الدعاء:
“يا مفرّج فرّج عنّا سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه تُرجعون اللهم إني أسألك بحق سورة يس وأسرارها وأنوارها وبركتها أن تتقبل مني دعائي وتقضي حاجتي”
ويتكرر فيه ذكر أسماء الله الحسنى، والاستغاثة بـ”الرحمن الرحيم” و”يا غياث المستغيثين”، ويختتم بالدعاء للنبي وآله، والتوكل الكامل على الله.
يستند هذا الدعاء إلى إيمان عميق بأن لسورة يس فضلًا خاصًا يجعلها وسيلة لجلب الخير ودفع البلاء، كما يُردد فيه أنها:
“سُميت على لسان نبيك صلى الله عليه وسلم المُعِمّة: تعم لصاحبها خير الدارين، والدافعة: تدفع عنّا كل سوء وبلية.”
بين التجربة والشرع: هل دعاء سورة يس مُستجاب؟
فيما يتعلق بمسألة استجابة الدعاء عقب قراءة سورة “يس”، يوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن القول بأن الدعاء يكون مستجابًا إذا قرئت سورة يس سبع مرات، لم يرد عليه دليل شرعي صحيح، وإنما هو من “الأمور المجربة” عند بعض المشايخ والعارفين بالله.
وأكد جمعة في فتوى منشورة أن التجربة لا تُضاهي الدليل الشرعي، فليس كل ما جُرّب يُعد شرعًا، وإن كان ذلك لا يُبطل فضل القراءة والدعاء عمومًا.
وأضاف:
من قرأ القرآن الكريم فقد تقرّب إلى الله بأعظم العبادات وإن لم يُستجب دعاؤه فلا يُسخط، لأن له أجر التلاوة والدعاء والله أكرم الأكرمين.
وبشأن عبارة “يس لما قرئت له”، أوضح جمعة أن هذا القول ليس حديثًا نبويًا صحيحًا، ولكنه يُعبّر عن اعتقاد الناس بأن قراءة السورة يمكن أن تُخصّص لغرض ما، مع التأكيد على أن القرآن عمومًا وليس فقط “يس”، هو مصدر للسكينة والطمأنينة وسبب في نزول الرحمات.
سورة يس… قلب القرآن ورسالة بعث وتوحيد
تُعد سورة “يس” من السور المكية، وعدد آياتها ثلاث وثمانون، وتتميّز بمواضيعها القوية وإيقاعها الفريد الذي يترك أثرًا عميقًا في نفس القارئ.
تدور محاور السورة حول:
التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى.
البعث والنشور، وإثبات القيامة.
الرد على منكري النبوة والرسالات.
بيان قدرة الله في الخلق، وضرب الأمثال التي تُقرب المعاني للناس.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم سورة “يس” بأنها “قلب القرآن”، أي أنها تُمثّل الجوهر العقائدي والإيماني للكتاب الكريم، وتجسّد رسالة الإسلام في أوضح صورها.
فضل سورة يس في جلب الرزق: بين الثواب والتكرار
يحرص الكثير من المسلمين على قراءة سورة “يس” بنيّة الفرج وجلب الرزق وتيسير الأمور، ويعتقد البعض أن قراءتها بعدد معين من المرات، كسبع أو إحدى عشرة مرة، له أثر روحاني خاص.
غير أن العلماء يُفرّقون بين فضل قراءة السورة بشكل عام، وهو أمر ثابت ومندوب ومستحب، وبين التخصيص بعدد معين أو توقيت محدد بنية الرزق، فهذا لم يرد فيه نص شرعي صريح.
يؤكد العلماء أن:
قراءة أي سورة من القرآن بنية صالحة تُثيب صاحبها، فالماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه ويتتعتع فيه له أجران.
التكرار لعدد معين لا يُعدّ بدعة ما دام لا يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يُترك في دائرة التجربة الشخصية، لا الشرع العام.
دعاء يس ورفض الفقر والدين: استغاثة تتكرر في النفوس
في دعاء سورة “يس”، تتكرر توسلات الخلاص من “الفضيحتين” الفقر والدين في مواضع عدّة مما يُعبّر عن معاناة الناس من ضيق الحال وطلبهم للفرج.
اللهم إني أعوذ بك من الفضيحتين: الفقر والدين، ومن قهر الأعداء ارزقني رزقًا حلالًا بلا كد، واستجب دعائي بلا رد.
ويستعين الدعاء بصور قرآنية مدهشة مثل:
سبحان من جعل خزائنه بين الكاف والنون.
سبحان الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون.
إنها لغة قرآنية تتكرر في الدعاء لتربط الرجاء بالقدرة الإلهية المطلقة وتُعيد المؤمن إلى أصل التوكل على الله، الذي لا يعجزه شيء
دعاء “يس” بين إيمان القلوب وأحكام الشرع
لا يمكن إنكار أن دعاء سورة “يس” يُمثّل حالة روحانية خاصة لكثير من المسلمين، يجتمع فيه الإيمان بالقرآن، والرجاء في الله، والحنين إلى الفرج.
لكن من المهم أن يُفرّق المسلم بين العبادات المبنية على النصوص الشرعية القطعية، وبين الأدعية والتجارب الشخصية التي لم يرد فيها حديث مرفوع.
تظل سورة “يس” من أعظم سور القرآن، وقراءتها عبادة، والدعاء بعدها مناجاة، لكن يجب أن يُقال للناس:
لا تنسبوا ما لم يثبت، ولا تتوقفوا عن الدعاء، فبينكم وبين ربكم باب مفتوح لا يُغلق.