تقارير-و-تحقيقات

أوجاع صاحبة الجلالة.. مهنة تُصارع الموت في زمن الشاشات

كتب- محمود حسن

في زمن لم يكن صباح المصريين يبدأ دون قراءة الصحف الورقية، وفي وقت كانت فيه الجرائد جزءًا من طقوس الحياة اليومية كفنجان القهوة، تمر اليوم الصحافة الورقية بأسوأ أزماتها، لا في مصر فحسب، بل في العالم كله.

الدكتور حماد الرمحي، خبير التحول الرقمي في الإعلام والصحافة، يرسم في الحلقة الثانية من سلسلته «أوجاع صاحبة الجلالة» مشهداً صادماً، يُشخص فيه “المرض الأول” في جسد المهنة العتيقة: تراجع التوزيع الورقي بدرجة تُهدد البقاء.

تراجع عالمي

يرى دكتور حماد إن التحول الرقمي لم يكن رياحاً عابرة، بل تسونامي إعلامي اجتاح الورقي، ويضيف بكون الفارق في أن بعض الدول سبحت ضد التيار، ونجحت، بينما في مصر، غرقت الصحف دون قوارب نجاة.

  • في أوروبا: انخفاض بنسبة 12% بين 1995 و2004.
  • في أمريكا الشمالية: انخفاض بنحو 6–7%.
  • في آسيا: نمو لافت (الصين والهند واليابان تتصدر أسواق الصحافة الورقية).
  • في مصر: سقوط حر بلغ 75% خلال عقد.

الهروب إلى العالم الرقمي

لم يتوقف الناس عن قراءة الأخبار، بل فقط غيروا المنصة، حيث الإنترنت أصبح ملاذاً، والهاتف الذكي عند بعض المستخدمين كالنافذة الأولى للمعلومة.

الدكتور حماد الرمحي

وأشار الرمحي إلى وجود أكثر من 4.9 مليار مستخدم للإنترنت خلال عام 2024، منهم 86% تقريباً يعتمدون على الأخبار الرقمية بإجمالي عدد يزيد عن 3.4 مليار يقرأون عبر الهواتف الذكية.

وأوضح بأن صحف مثل “نيويورك تايمز” كسرت حاجز 10 ملايين مشترك رقمي، بينما في مصر، تكتفي بعض الصحف بمواقع “شكلية” تفتقر للهوية أو الجاذبية.

لماذا فرت الجماهير من الصحف الورقية؟

الدكتور الرمحي يضع يده على الجرح، ويلخص الأسباب في نقاط رئيسية:

  • التحول الرقمي السريع، دون استعداد مؤسسي.
  • ضعف المحتوى وفقدان الثقة والمصداقية.
  • ارتفاع تكاليف الطباعة وانسحاب الإعلانات.
  • تأخر في التحديث والتقنيات الرقمية.
  • تكرار المحتوى الورقي دون ملاءمة رقمية.
  • غياب تطبيقات ذكية واستراتيجيات تفاعلية.

وفي مقابل ذلك، الشباب المصري –وهم الفئة الأوسع– يهجرون الورق كلياً، حيث تشير الدراسات إلى أن 85% من الشباب تحت الثلاثين لا يتابعون الأخبار إلا عبر هواتفهم الذكية.

منصات رقمية… بلا روح

تطرق الدكتور الرمحي في الجزء الثاني م سلسلة “أوجاع صاحبة الجلالة” إلى الحديث عن منصات الصحف المصرية الرقمية، مشيراً إلى كونها تشبه مبانٍ فخمة من الخارج، لكنها فارغة من الداخل، لا ذكاء اصطناعي، لا تحليل جمهور، لا بودكاست، لا بث مباشر، ولا حتى تحسين لمحركات البحث (SEO).

ويضيف الرمحي بأن 80% من الصحف لا تملك تطبيقات رقمية، بالإضافة لكون الغالبية تكتفي بـنسخ PDF غير التفاعلية، وكذلك يرى بكون الحضور الرقمي “هامشي” و”غير تنافسي”.

ناقوس الخطر… فهل هناك فرصة أخيرة للإنقاذ؟

رغم قسوة الأرقام، لا يغلق الدكتور الرمحي الباب أمام الأمل، لكنه يربط النجاة بشروط جادة، ليعود الأمل ومنها:

  •  بنية رقمية متكاملة واستثمار في التكنولوجيا.
  • تدريب الصحفيين على أدوات العصر الرقمي.
  • إنتاج محتوى احترافي جذاب ومتجدد.
  • وجود استراتيجيات تسويق رقمي والعمل على بناء جمهور حقيقي.
  • وجود نماذج اشتراك مدفوعة ومستدامة.

لم تعد أزمة الصحافة الورقية في مصر ترفاً يمكن تجاهله، بل هي معركة بقاء بين ماضٍ مجيد ومستقبل لا يرحم المتأخرين، وإذا لم تدرك المؤسسات الصحفية أن العصر قد تغير، فإن “صاحبة الجلالة” لن تحتضر فقط… بل قد تُدفن تماماً في أرشيف الذاكرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى