ستة مواضع تمنع الشقاء.. كيف يرسم القرآن خارطة النجاة من العناء؟
تقرير : مصطفى على
في عالم يموج بالقلق والضياع، تتراكم الأسئلة حول سر الطمأنينة وسبل النجاة من ضيق العيش وضنك الروح ويبرز في هذا السياق سؤالٌ جوهري: هل الشقاء قدرٌ لا مفرّ منه، أم أن هناك سبلًا قرآنية تفتح للإنسان أبواب السعادة وتقيه من التعاسة؟
القرآن الكريم، بآياته المحكمة، يقدم إجابة واضحة وقاطعة: هناك ستة مواضع من تمسّك بها نجا من الشقاء، وذاق طعم الراحة النفسية وهدوء البال.
في هذا التحقيق، نغوص في عمق هذه المواضع، نستعرض دلالاتها، ونفكك أبعادها النفسية والروحية، لنتبيّن كيف أنّ الشقاء لا يجتمع معها أبداً.
1. برّ الوالدة: مفتاح البركة وباب الرضا
“وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً” — [مريم: 32]
من أولى بوابات السعادة التي يُغلق عندها باب الشقاء: برّ الأم.
في هذه الآية الكريمة، يتحدث نبي الله عيسى عليه السلام عن نعم الله عليه، وأهمّها أنه جعله باراً بوالدته ولم يجعله متجبّراً ولا شقيّاً.
الرابط بين برّ الوالدة وانتفاء الشقاء ليس عاطفياً فحسب، بل هو قانون إلهي فبرّ الأم من أعظم القربات التي يجني بها العبد رضا الله وما دام في رضا الله فلا مكان للشقاء.
وقد أوصت الشريعة الإسلامية الأمّ بثلاث مراتب من البرّ مقابل مرتبة واحدة للأب في تأكيد متكرر على عظيم شأنها وارتباط سعادة الإنسان برضاها.
2. الدعاء: خط الدفاع الأول في وجه الشقاء
“وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً” [مريم: 4]
قالها زكريا عليه السلام وهو في لحظة انكسار لكنه كان مطمئناً. كيف لا وهو يدعو رباً وعد بالإجابة ووصف الدعاء بأنه سبيل الفرج؟
الدعاء ليس مجرد تضرع، بل هو إعلان ثقة بأن الله يسمع ويرى ويستجيب ومن تمسّك بالدعاء بصدق ويقين، فلن يعرف الشقاء طريقاً إلى قلبه، ولو تأخرت الإجابة.
ففي الدعاء، طمأنينة قبل الإجابة، وراحة في لحظة البوح، وانشراح في الانكسار بين يدي الله.
3. القرآن الكريم: هداية لا تقود إلى الشقاء
“مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لِتَشْقَى” [طه: 2]
يخاطب الله نبيّه محمدًا ﷺ في هذه الآية مؤكدًا له أن القرآن ليس كتاب شقاء ولا عناء، بل هو هدى ورحمة وشفاء.
القرآن لا يزيد قارئه إلا نورًا، ولا يزيد حافظه إلا رفعة. تلاوته، وتدبره، والعمل به، تزرع في القلب يقيناً، وتبعد عنه الغفلة، وتحصنه من الهمّ والضياع.
فمن جعل القرآن رفيقه، لن يعرف الحيرة، ولن تضيع بوصلته في الحياة فهو كتاب الهداية التي تسلك بصاحبها دروب الراحة النفسية والسلام الروحي.
4. اتباع الهدى: خارطة السير إلى الطمأنينة
“فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى” — [طه: 123]
الهدى الإلهي ليس ترفًا فكريًا بل هو نظام حياة يضمن لمن التزم به ألا يضلّ في طريقه ولا يشقى في دنياه ولا في آخرته.
الضلال بحسب القرآن هو سبب الشقاء أما من سلك سبيل الهداية الربانية فله وعد صادق من الله أن يعيش حياة طيبة.
هذه الهداية تشمل العقيدة والسلوك والمعاملات وتتجلى في الصلاة والصبر في الصدق والعدل، في الإحسان والتقوى.
5. خشية الله: درع القلب من الألم الداخلي
“سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى” — [الأعلى: 10-11]
الخشية ليست خوفًا عاديًا بل هي خوفٌ مقرون بالعلم والتعظيم. وهي التي تصنع إنسانًا رقيق القلب دائم التذكر، حريصًا على الطاعة.
من يخشى الله بصدق، يتذكّر دوماً أن لكل عمل حساباً، ولكل لحظة وزناً وهذا التذكر يحصنه من التيه ومن كل سبل الشقاء.
فالخشية تصقل النفس وتروضها، وتردعها عن المعاصي التي تجلب الألم الروحي والقلق الداخلي.
6. التقوى: الضمان الأكيد للنجاة من الشقاء
“فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى، لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى” [الليل: 14-17]
آخر المواضع التي تمنع الشقاء هي التقوى وهي أعلى درجات الإيمان، وتشمل مراقبة الله في السر والعلن.
الله سبحانه وعد المتقين بالنجاة من نار تلظى ووعدهم أيضاً بالحياة الطيبة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة.
المتقون هم الذين جعلوا خشية الله نصب أعينهم، فتجنّبوا المعاصي وسلكوا درب الطاعة، فاستحقوا أن يُجنبوا دروب الشقاء.
خارطة قرآنية متكاملة للسعادة
لا تحتاج السعادة إلى ثروات طائلة أو شهرة واسعة، بل إلى قلب موصول بالله وعمل على بصيرة وتفاعل حقيقي مع المعاني القرآنية.
فمن برّ والدته، ودعا ربه، وتلا القرآن واتبع الهدى، وخشي ربه، واتقى محارمه نجا من الشقاء، وكتب الله له السعادة في الدنيا والآخرة.
إنها خارطة النجاة مرسومة بالآيات موقعة بختم ربّ العزة لمن أراد أن يعيش مطمئنًا وأن يموت راضيًا وأن يُبعث سعيدًا.