الرئيسيةتقارير-و-تحقيقاتعرب-وعالم

المثلث الحارق: واشنطن وطهران وتل أبيب في مواجهة نووية.. هل تخمد السعودية الأزمة؟

في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، بعثت السعودية برسالة صريحة إلى طهران عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان الشهر الماضي، محذرة إيران من مغبة استمرار التصعيد النووي ومطالبة إياها بقبول عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتفاوض.

وأكدت الرسالة، التي حملها الأمير خالد بنفسه إلى طهران خلال زيارة سرية، أن التفاوض الجدي يمثل السبيل الوحيد لتجنب خطر الحرب مع إسرائيل، خاصة بعد تحذيرات أمريكية متكررة باستخدام القوة إذا أخفقت الدبلوماسية.

وأفادت مصادر مطلعة أن الاجتماع الذي حضره كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، شهد تأكيداً سعودياً على أن المنطقة، التي مزقتها بالفعل الصراعات في غزة ولبنان، لا تتحمل تصعيداً جديداً.

ويعكس هذا التحرك السعودي رغبة واضحة في دفع الأطراف المتصارعة نحو تسوية سياسية قبل فوات الأوان.

توازنات معقدة ومخاطر مفتوحة

يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، محمد عبادي، أن الأزمة الحالية بين أمريكا وإيران، ومعها إسرائيل، تكشف عن تعقيدات جديدة لم تشهدها المنطقة منذ توقيع الاتفاق النووي السابق عام 2015.

ويقول عبادي، في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”، إن الرسالة السعودية لإيران تمثل تحولاً لافتاً في الدبلوماسية الخليجية، إذ لم تعد الرياض تكتفي بوساطة صامتة أو تحذيرات خلف الكواليس، بل باتت مستعدة للتدخل العلني لإبعاد شبح الحرب.

ويضيف العبادي: “السعودية ترى أن أي مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل قد تؤدي إلى كارثة شاملة في الشرق الأوسط، وستدفع دول الخليج، بما فيها السعودية، ثمناً باهظاً اقتصادياً وأمنياً، لهذا فإن تحذير الأمير خالد لإيران لا يعبر فقط عن مصالح واشنطن، بل عن قلق سعودي حقيقي من أن استمرار المراوغة الإيرانية قد يفتح الباب أمام إسرائيل للتحرك عسكرياً”.

تصدع المشاريع الإقليمية

يرى عبادي أن الرسائل السعودية الأخيرة، لا سيما تلك المتعلقة بتوجه المملكة العربية السعودية نحو إرساء حالة سلام أو تهدئة في المنطقة، تمثل “دبلوماسية حقيقية وتحذير يأتي في سياق تطلعات المملكة”، التي تدرك – بحسبه – أن مشاريع الحرب في المنطقة باتت في تراجع.

فالمشروع الإيراني القائم على تدشين الميليشيات والوكلاء في الإقليم أظهر محدوديته بعد 7 أكتوبر، حين “انكشفت هشاشة الوكلاء وعجزهم عن الصمود”، مما جعل الطريق إلى طهران “مكشوفاً”، وفق تعبيره.

في المقابل، يرى عبادي أن إسرائيل، رغم محاولاتها تقديم صورة انتصار في غزة، لم تحقق سوى نتائج محدودة وعلى حساب المدنيين.

ويشير إلى أن “آخر التقارير تتحدث عن وجود حوالي 40 ألف مقاتل في غزة، مع بقاء شبكة الأنفاق العسكرية صامدة بشكل كبير”.

ورغم الأضرار الجزئية، لا تزال “القوة العسكرية الفعلية في غزة قائمة”، وهو ما يُظهر محدودية الإنجازات العسكرية الإسرائيلية، حتى بعد مرور أكثر من عام ونصف على بدء العمليات.

مأزق الخيارات العسكرية

يقول عبادي أن المنطقة تعيش “تراجعاً في مشاريع الحرب”، سواء تلك التي اعتمدتها إيران عبر وكلائها، أو تلك التي حاولت إسرائيل فرضها بقوة السلاح والهيمنة.

ويضيف أن المملكة العربية السعودية، بقدراتها الاقتصادية والسياسية، تطرح بديلاً يقوم على تكامل إقليمي، قد يشمل لاحقاً دمج إيران ضمن منظومة إقليمية بقيادتها، بالتعاون مع دول مثل تركيا ومصر.

ويعيد عبادي جذور هذا التوجه إلى اتفاق التهدئة الذي وقع في بكين بين السعودية وإيران في مايو 2023، قائلاً إنه “مثَّل اختراقاً حقيقياً في السياسات الإقليمية”.

أما على الجانب الأمريكي، فيرى عبادي أن إدارة الرئيس دونالد ترامب – التي عاد فيها إلى السلطة مطلع 2025 – تتبنى نهجاً قائماً على “إطفاء الحرائق” الإقليمي، وليس إشعاله.

ويشرح: “ترامب جاء بخطة اقتصادية طموحة، وهو يدرك أن إشعال الحروب في غزة أو إيران أو حتى استمرار النزاع في أوكرانيا، لن يساعد على تحقيق هذه الخطة خلال فترة ولايته”.

لذلك، يُرجح عبادي أن الإدارة الأمريكية ستفضل ممارسة “ضغوط قصوى” على إيران، تشمل عقوبات اقتصادية وحظراً نفطياً شديداً، بدلاً من شن ضربة عسكرية شاملة.

الموت بألف جرح

في حديثه؛ يشير عبادي إلى خطة أمريكية معروفة باسم “الموت بألف جرح”، والتي ناقشها معهد واشنطن في دراسة تفصيلية. تقوم هذه الخطة – كما يشرح – على استغلال شبكات التجسس داخل إيران لتنفيذ عمليات تخريبية واستهداف منشآت عسكرية ومدنية، بدلاً من اللجوء إلى ضربات عسكرية واسعة النطاق.

ويقول: “فشل الضربات العسكرية قد يدفع إيران إلى مزيد من السرية في برامجها النووية، وإخفاء منشآتها العميقة تحت الجبال، مما يصعب استهدافها”.

ضغوط اقتصادية وأفق تفاوضي

يشير عبادي إلى أن واشنطن قد تستخدم سلاح العقوبات الاقتصادية لتقييد صادرات النفط الإيرانية، قائلاً: “إيران حالياً تصدر أقل من مليون برميل يومياً، بينما كانت تصدر نحو 3 ملايين برميل قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018”.

وفي حال فرضت الولايات المتحدة حظراً شاملاً، فقد تعاني إيران اقتصادياً، مما يزيد الضغوط الداخلية عليها ويدفعها للقبول بشروط تفاوضية قاسية.

ومع ذلك، يرى عبادي أن الرياض ترغب في تجنب هذا السيناريو الكارثي الذي قد يؤدي إلى فوضى إقليمية واسعة، بما في ذلك تعطيل الملاحة في مضيق هرمز أو باب المندب، أو استهداف منشآت الطاقة في الخليج.

ويقول: “السعودية تسعى إلى حل تفاوضي بين أمريكا وإيران، لأن البدائل كارثية على الجميع”.

إسرائيل: مشروع حرب أم شريك إقليمي؟

ينتقد عبادي الرؤية الإسرائيلية التي حاولت تقديم إسرائيل كقائدة للمشروع الإقليمي الجديد، بديلاً عن الانكفاء الأمريكي. ويقول: “إسرائيل حاولت أن تقدم نفسها كقوة إقليمية قادرة على الاندماج مع المحيط العربي السني بقيادة السعودية، لكنها اليوم تبدو مشروع حرب مدمر، لا يرحم أحداً عند لحظة الضعف”.

ويضيف: “مشروع إسرائيل تراجع، وبات يُنظر إليه باعتباره تهديداً للاستقرار الإقليمي”.

ويشير عبادي إلى أن أي حرب شاملة ضد إيران ستدفع المنطقة إلى حافة الانهيار، مع احتمال استهداف المصالح الخليجية، أو تعطيل حركة الملاحة، أو إشعال الصراعات الطائفية في مناطق متفرقة.

ويرى أن هذا الإدراك يدفع السعودية وتركيا ومصر – وإن بدرجات متفاوتة – إلى البحث عن حلول دبلوماسية تمنع الانفجار.

سلام هش أم تصعيد؟

في خلاصة رؤيته، يعتقد عبادي أن مصير المثلث الأمريكي-الإيراني-الإسرائيلي سيظل معلقاً على خيط رفيع بين التصعيد والتهدئة.

  • فالولايات المتحدة، وإن مارست ضغوطاً قصوى، قد تجد نفسها مجبرة على العودة إلى طاولة المفاوضات، لأن البدائل العسكرية مكلفة وغير مضمونة النتائج.
  • إيران، رغم ضعفها الداخلي وتراجع نفوذ وكلائها، قد تناور على طاولة التفاوض إذا رُفعت عنها بعض القيود، وهو ما قد يعيدها إلى الساحة الدولية كلاعب اقتصادي وسياسي قوي.
  • إسرائيل، فيرى عبادي أنها “لم تعد قادرة على فرض مشروعها الإقليمي بالقوة، بل باتت تُدرك أن حسابات الربح والخسارة تميل ضدها، في ظل رفض إقليمي واسع لمشاريع الحرب”، خصوصاً مع تصاعد الانتقادات الدولية لاستهداف المدنيين وتدمير البنى التحتية.

في النهاية، يبدو أن المنطقة تقف أمام مفترق طرق حرج. إما العودة إلى التصعيد والحرب، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر، أو انتهاز فرصة نادرة لبناء تفاهمات إقليمية جديدة، ربما تكون السعودية ركيزتها الأساسية، ضمن مشروع تكامل اقتصادي وسياسي شامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى