تقارير-و-تحقيقات

التسول الإلكتروني.. تبرعات ظاهرها خير وباطنها احتيال

بين الخير المزيف وخطر الاحتيال.. كيف نحمي أنفسنا من التسول الرقمي؟

كتب- محمود عرفات

في عصر التحول الرقمي، لم تعد ظاهرة التسول حكرًا على الشوارع، بل وجدت لنفسها موطئ قدمٍ عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. تحت ستار “جمع التبرعات الخيرية”، تنتشر حملات مجهولة تطلب المال باسم المرض، والفقر، وحالات الطوارئ، ما يفتح الباب أمام الاستغلال والاحتيال الإلكتروني الذي يصعب كشفه.

مظاهر الظاهرة

ينتشر هذا النوع من التسول عبر حسابات وهمية على “فيسبوك”، و”تيك توك”، وحتى تطبيقات تحويل الأموال، ويقوم المتسولون بعرض صور مفبركة أو قصص درامية لجذب التعاطف، دون وجود جهة رقابية توثق تلك الحالات.

عاقبة المتسولين في الشريعة الإسلامية

من جانبه قال الدكتور أحمد منصور، الأستاذ بجامعة الأزهر إن إعطاء المال لمجهول لا تُعرف حالته يعد من التسرع في الصدقة، مشيرًا إلى أن الإسلام حث على التثبت والتبيُّن قبل إخراج المال، حتى لا يكون الإنسان شريكًا في باطل دون قصد.

وأضاف في تصريح خاص لجريدة “اليوم”: توعد الله سبحانه من يمد يده للسؤال دون يضيق الله عليه في رزقه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر”،  لافتا إلى أن الإنسان الذي يدفع الصدقة لابد عليه أن لا ينفق ماله دون التثبت، فأنت مطالب بأن تستخرج المستحقين من وسط هذا السيل الجارف من المتسولين، مناشدا مَن يدفع الصدقات أن يبدأ بالأقربون من ذوي الحاجات، ثم الجيران فهم في مأمنٍ من هذا الخداع والتسول، مؤكدًا أن عاقبة المتسولين وخيمة يوم القيامة لأنهم أخذوا ما ليس لهم به حق.

جرائم الاحتيال.. التسول في نظر القانون

وعن رأي القانون في هذا الشأن يقول المستشار هاني عبد التواب، الخبير في القانون الجنائي، إن ظاهرة التسول الإلكتروني تمثل تطورًا خطيرًا لجرائم الاحتيال، إذ تستغل مشاعر الناس وتستخدم التكنولوجيا في التمويه.

وأضاف في تصريح خاص لجريدة “اليوم”: “القانون المصري يحتاج إلى تعديلات تدرج هذه الجريمة صراحة، مع تفعيل أدوات الرقابة الرقمية وتشديد العقوبات”، كما شدد على ضرورة رفع وعي المواطنين وسؤالهم عن مصداقية المتبرَّع له.

لعب على الأوتار النفسية

من جانبها قالت الدكتورة نهى الشرقاوي، أستاذة علم النفس الاجتماعي إن ظاهرة التسول الإلكتروني تنجح لأنها تلعب على “الأوتار النفسية الحساسة” لدى الناس، مثل الذنب، والرحمة، والخوف من التقصير في الخير. محذرة أن الاستجابة المتكررة تخلق حالة من “الإشباع العاطفي الزائف”، تجعل المتبرع يشعر بالإنجاز الوهمي.

من جهته أكد الدكتور سامي عبد العليم، أستاذ علم الاجتماع أن التسول الإلكتروني يعكس هشاشة الثقة المجتمعية ومحدودية الوعي الرقمي، ويقول: “غياب الرقابة يدفع الناس للتشكيك في أي دعوة للمساعدة، وهو ما يهدد فكرة العمل الخيري نفسها”، مطالبًا بتنظيم مؤسسي للتبرعات وتوعية جماهيرية ذكية.

آراء المواطنين

تقول منى فؤاد، موظفة: “وصلتني رسالة عن طفل مريض بالسرطان، وتبرعت بحسن نية، وبعد أسبوع اكتشفت إن الصورة من الإنترنت”. بينما يضيف محمد عبد العزيز، طالب جامعي: “بقيت بشوف حملات شبه يومية، ومش عارف أفرق بين الحقيقي والمزيف”.

خاتمة

تسول العصر الحديث لم يعد بحاجة لشارع أو يد ممدودة، بل يكفي هاتف ذكي وقصة مؤثرة، والحل لا يكمن فقط في ملاحقة الجناة، بل في بناء وعي جماعي يميّز بين الخير الحقيقي والاحتيال المقنّع، وفي سن تشريعات تضمن العدالة دون إغلاق أبواب الرحمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى