تقارير-و-تحقيقات

«بديل للمكاتب».. عندما تتحول طاولة القهوة إلى مقر عمل بديل

"المقهى" مكتب غير رسمي في قلب المدينة

تقرير- محمود عرفات

في مشهد بات مألوفًا في العديد من المناطق وسط القاهرة، تجد شابًا يفتح حاسوبه المحمول في أحد المقاهي، يضع سماعاته، ويبدأ في العمل وسط ضوضاء الزبائن ورائحة القهوة. ما بين مصمم جرافيك، وكاتب محتوى، ومطور برامج، وموظف عن بعد، أصبح “الكافيه” مكتبًا عصريًا لفئة كبيرة من الشباب، في ظاهرة تعكس تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية.

لماذا المقاهي؟

تقول فريدة مصطفى، كاتبة محتوى حر: “أنا بشتغل من البيت بس بحس إني محبوسة، بحب أخرج أشتغل في الكافيه، القعدة بتغير المود، وفي نت وكهرباء.. كل اللي محتاجاه، ودا بيساعدني كتير على إني أتخلص من ضغط المكاتب، وسطوة مديري العمل”.

بينما يؤكد صبري خيري، مصمم جرافيك: “بقيت بشتغل من القهوة بشكل شبه يومي، خصوصًا لما بيكون فيه شغل محتاج تركيز ومفيش مكان هادي في البيت، ومنها بس بحس إني خرجت فكيت جو شوية وفي الوقت نفسه اشتغلت، يعني أفضل من البيت، وأريح من مكاتب العمل”.

نقص المساحات العامة الداعمة للإبداع

من جانبها قالت توضح الدكتورة إسراء جميل أستاذة علم الاجتماع أن هذا التحول ناتج عن رغبة في الاستقلالية ومرونة بيئة العمل، مشيرة إلى أن الشباب حاليا يبحثوا عن أماكن تحفزهم نفسيًا، والمقاهي توفر هذا الأمر بشكل جزئي، مؤكدة أنها قد تكون مؤشرًا على نقص المساحات العامة المنتجة والداعمة للإبداع”.

ملجأ وظيفي.. وتحولات في مفهوم الخصوصية

وأضافت في تصريح خاص لجريدة “اليوم” أن اللجوء للمقاهي للعمل يعكس كذلك تحولات في مفهوم الخصوصية والمساحات الشخصية، خصوصًا في الطبقة المتوسطة، التي أصبحت تعاني من ضيق في مساحات السكن، وغياب المراكز المجتمعية أو المكتبات العامة التي من الممكن أن تحتضن أنشطة العمل أو الإبداع، لافتة إلى أن المقهى أصبح ملجأ وظيفي، لكنه في نفس الوقت بيكشف ثغرات في البنية التحتية الاجتماعية”.

أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي

من جهته قال الدكتور حسام فؤاد، أستاذ الاقتصاد السلوكي إن التحول إلى العمل من المقاهي يعكس تغيرًا في أنماط الإنفاق والاستهلاك، مؤكدًا أن الشباب مستعدون لدفع مقابل الراحة والمرونة، وهو ما يحرك الطلب على نوعية معينة من المقاهي التي توفر خدمات تتجاوز المشروبات لتشمل الراحة النفسية وخدمة الإنترنت”.

وأشار في تصريح خاص لجريدة “اليوم” أن الظاهرة أيضًا لها أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي، حيث ترفع من أرباح بعض المقاهي وتفتح فرصًا جديدة للخدمات المرتبطة، مثل شركات الإنترنت، وموردي الأجهزة الصغيرة. لكن في المقابل، قد يؤدي هذا إلى زيادة التكاليف التشغيلية على بعض المحال، ما يتطلب توازنًا واضحًا بين ما يُقدَّم وما يُستهلك”.

خاتمة

في زمن مرن الوظائف وسريع الإيقاع، يبدو أن المقاهي ستظل حاضنة للكثير من المواهب والعقول التي تعمل خارج الأطر التقليدية، رغم ما تحمله الظاهرة من إيجابيات وتحديات، فهي مرآة لعصر يبحث فيه الشباب عن العمل بطريقتهم، ولو من على كرسي بمقعد في أحد أركان المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى