الرئيسيةتقارير-و-تحقيقاتعرب-وعالم

حصان طروادة الأوكراني يضرب الثالوث النووي الروسي.. هل نقترب من حرب عالمية ثالثة؟

في تطور نوعي وغير متوقع، نفذت أوكرانيا هجومًا جويًا واسع النطاق بطائرات مسيّرة ذكية وصغيرة استهدفت منشآت عسكرية روسية في عمق سيبيريا، بما في ذلك قواعد ترتبط بالثالوث النووي الروسي.

والهجوم الذي يعد الأبعد جغرافيًا منذ بداية الحرب، أثار صدمة في الأوساط العسكرية والسياسية، وفتح باب التساؤلات حول قدرة أوكرانيا على اختراق الدفاعات الروسية، وكذلك طبيعة الرد الروسي الذي يتوقعه العالم وسط توترات دولية متصاعدة.

في هذا السياق، يقدم اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في الأمن القومي والعلاقات الدولية، قراءة تحليلية مفصلة لهذه العملية الفريدة، ويرسم خارطة احتمالات الرد الروسي الذي سيحدد مستقبل الصراع بين الطرفين.

دلالات الضربات الأوكرانية

يصف اللواء محمد عبد الواحد الضربات الأوكرانية بأنها كانت “ضربات قوية” ومفاجئة، لكنها في الوقت ذاته ليست بعيدة عن التوقع، خاصة في ظل طبيعة شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتحديات السياسية التي تواجه إدارته.

ويشير اللواء عبد الواحد إلى أن ترامب، رغم حديثه عن محادثات سلام، كان مضطرًا لتحقيق انتصار عسكري يعزز موقفه السياسي، خاصة مع وجود انتقادات داخلية من حلفاء الناتو وداخل الولايات المتحدة نفسها بسبب الحديث عن وقف الحرب.

ويضيف اللواء عبد الواحد أن العملية الأوكرانية معقدة للغاية من الناحيتين اللوجستية والاستخباراتية؛ فقد استغرق إدخال الطائرات المسيّرة إلى الأراضي الروسية وتحريكها على مدى عام كامل استعدادًا للهجوم، بالإضافة إلى الدعم الفني والاستخباراتي الغربي.

ما يشير إلى وجود شبكة عملاء داخل روسيا سهلت دخول هذه الطائرات، واستخدام شاحنات مزودة بأجهزة حساسة وذات تقنيات متطورة عالية، بعضها مزود بأنظمة تفجير ذاتي عند محاولة اختراقها، مما يعكس مستوى متقدمًا من التخطيط والتمويه.

كما يؤكد اللواء عبد الواحد أن استهداف قواعد جوية استراتيجية، منها قواعد تحوي قاذفات بعيدة المدى مثل الطائرات “تو-95” و”تو-22″، يهدف إلى إضعاف القوة الجوية الروسية وتقويض موازين القوى لصالح أوكرانيا.

كما أن العملية كشفت عن ثغرات في أنظمة الدفاع الروسية، لا سيما في العمق الجغرافي للبلاد، وهو أمر غير مسبوق.

حصان طروادة

اللواء عبد الواحد يشبه هذه العملية بحصان طروادة الأسطوري، حيث تم اختراق الأمن الروسي بطريقة معقدة واستراتيجية.

ويقول إن الهجوم لا يحمل بعدًا عسكريًا فحسب، بل هو رسالة سياسية واستراتيجية واضحة: “أن أوكرانيا باتت قادرة على الوصول إلى العمق الروسي، حتى إلى مناطق تعتبر الأكثر أمانًا واستراتيجية مثل سيبيريا، التي تضم جزءًا من الثالوث النووي الروسي”.

ويضيف أن الضربات تحمل بصمات الدعم الاستخباراتي الغربي، ما يشكل تحديًا سياسيًا إضافيًا لموسكو التي ترى في هذه العملية إهانة على الصعيد الدولي والداخلي، وربما تحفزها على الرد بحزم.

الرد الروسي المحتمل

يتوقع اللواء عبد الواحد أن موسكو لن ترد بشكل متهور أو عشوائي، لأنها تدرك حجم المخاطر التي يمكن أن ينجم عنها رد فعل عسكري عنيف، والذي قد يؤدي إلى تصعيد شامل قد يفتح أبواب حرب عالمية ثالثة.

ويشرح أن الرد الروسي سيأتي في عدة أشكال متدرجة:

  • تصعيد هجمات جوية وصاروخية مكثفة: حيث ستستخدم روسيا المقاتلات والقاذفات والصواريخ الباليستية لاستهداف مواقع عسكرية أوكرانية استراتيجية مثل مصانع الأسلحة ومحطات الطاقة ومراكز تجمع القوات.
  • زيادة العمليات البرية: خاصة في مناطق الصراع المباشر مثل دونيتسك وسومي، بغرض تشتيت القوات الأوكرانية وتعزيز الموقف الروسي ميدانيًا.
  • رد دبلوماسي وإعلامي حاد: يتضمن حملة إعلامية شرسة تركز على تقويض مصداقية أوكرانيا وحلفائها، مع تهديدات متكررة باستخدام الأسلحة النووية المحدودة، رغم استبعاد استخدام النووي الفعلي بسبب تداعياته الكارثية.
  • تعزيز القدرات الدفاعية: من خلال نشر أنظمة دفاع جوي متطورة، وتحديث أجهزة الرصد والإنذار المبكر، وتكثيف جهود كشف شبكات التجسس والاستخبارات المعادية داخل روسيا.
  • حرب غير مباشرة: عبر دعم حلفاء موسكو في مناطق أخرى مثل إيران، الحوثيين في اليمن، وكوريا الشمالية، من خلال تزويدهم بمعلومات استخباراتية أو دعم صاروخي، بهدف نقل النزاع بعيدًا عن الأراضي الأوكرانية.

تداعيات استراتيجية وأمنية عميقة

يشير اللواء عبد الواحد إلى أن الهجوم على القواعد في سيبيريا، والتي تضم قاذفات استراتيجية وصواريخ باليستية موجهة من غواصات نووية، يمثل تحديًا مباشرًا لقدرات الردع النووي الروسي.

كما أنه يكشف عن ضعف في تأمين الأصول الاستراتيجية، مما يحرج القيادة الروسية داخليًا ويضعها أمام مطالب شعبية بالرد العنيف.

وبالإضافة إلى البعد العسكري، فإن العملية تسلط الضوء على وجود ثغرات في أنظمة الأمن والاستخبارات الروسية، التي تسمح باختراق هذه العمق الاستراتيجي.

لذلك، سيعمل الكرملين على مراجعة سياساته الأمنية والاستخباراتية وتعزيز الأمن الوقائي الاستباقي لكشف ومنع مثل هذه الهجمات مستقبلاً.

اللواء عبد الواحد يوضح أن تكلفة التصدي لهذه الطائرات المسيّرة منخفضة نسبيًا بالنسبة لتكلفتها العالية على الجانب الأوكراني، ما يدفع روسيا إلى تطوير حلول تقنية غير تقليدية تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأجهزة متقدمة لمواجهة تهديد الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.

توقعات مستقبلية

الهجوم الأوكراني الأخير في قلب سيبيريا يمثل نقطة تحول نوعية في مسار الحرب، وكشف عن تحديات استراتيجية وأمنية جديدة تواجه روسيا. وبينما تحاول موسكو الرد بصرامة، فهي مجبرة على موازنة ردودها لتجنب تصعيد نووي قد يؤدي إلى عواقب كارثية على المستوى الدولي.

ويبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح موسكو في احتواء هذا التحدي الاستراتيجي الجديد، أم أن الهجوم الأوكراني يمثل بداية مرحلة جديدة من الصراع تتسم بتعقيدات واستخدام تكتيكات متطورة قد تعيد تشكيل خارطة الصراع في أوروبا والعالم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى