تقارير-و-تحقيقات

هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة؟.. الإفتاء تجيب

 

تقرير : مصطفى على

تتجدد الأسئلة الفقهية حول مشروعية الجمع بين العبادات المتقاربة في الشكل والمضمون، وخاصة تلك المتعلقة بالذبح كالأضحية والعقيقة والنذر.
وفي هذا السياق، تبرز تساؤلات شرعية ملحّة من قبيل: هل يجوز للمسلم أن يذبح شاة واحدة بنيّة الأضحية والعقيقة معًا؟ وهل يسري الحكم ذاته إذا كانت إحدى الذبائح نذرًا؟

دار الإفتاء المصرية، عبر أمناء الفتوى فيها، أجابت عن هذه المسائل بتوضيحات دقيقة تجمع بين فقه النصوص وروح التيسير في الشريعة الإسلامية وفيما يلي تحقيق موسع يستعرض هذه الفتاوى ويوضح الأحكام الشرعية المرتبطة بها.

أولًا: الجمع بين الأضحية والعقيقة… فتوى تبيح ومشروطية لا تُهمل

أوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الجمع بين الأضحية والعقيقة في بهيمة واحدة جائز شرعًا، بشرط أن تكون الذبيحة غير منذورة، سواء كانت النية موجهة للأضحية أو العقيقة وبهذا المعنى، فإن المسلم يستطيع أن يذبح شاة واحدة في أيام عيد الأضحى بنيّة مزدوجة: إحياءً لسنة الأضحية، ووفاءً بعقيقة مولوده الجديد.

وقال وسام في توضيحه لمسألة وردت إلى دار الإفتاء بشأن “نحر شاه في عيد الأضحى بنيّة العقيقة”:

“يجوز النحر في أيام التشريق وهي أيام الأضحى بنية العقيقة، فتُجزئ الذبيحة عن العقيقة، كما أنها تُجزئ أيضًا عن الأضحية بشرط عدم النذر”.

وأشار إلى أن الفقهاء اختلفوا في هذه المسألة، إلا أن القول بالجواز هو رأي معتبر وله وجاهته الشرعية، خاصة إذا لم تكن أي من العقيقتين أو الأضحيتين منذورة.

ثانيًا: متى يُمنع الجمع بين الأضحية والعقيقة؟ النذر هو الحد الفاصل

لكن ماذا لو كانت الذبيحة منذورة؟
هنا، يُشدّد وسام على نقطة جوهرية وهي أن النية بالنذر لا يمكن أن تُجمع مع نية الأضحية أو العقيقة، إذ أن النذر يجب الوفاء به كما نُذر دون دمجه بأي عبادة أخرى.

وأوضح أن المسلم إن كان قد نذر ذبح أضحية، أو نذر عقيقة، فلا يصح له أن يجمع النية بين النذر والأضحية، أو بين النذر والعقيقة، بل يجب عليه أن يُخصص الذبيحة المنذورة لنذرها فقط.
وأضاف:

“إذا نويت الذبح بنية نذر، فلا يجوز لك أن تحتسب هذه الذبيحة كأضحية أيضًا الأصل في النذر هو الإلزام، وليس التخيير أو التداخل”.

وتأسيسًا على هذا، فإن من نذر أضحية لله تعالى، لا يُجزئه أن يذبح شاة بنية الأضحية والعقيقة معًا، بل عليه أن يُخرج أضحية عن النذر، ثم إن أراد العقيقة، فعليه بذبيحة أخرى مستقلة.

ثالثًا: ماذا قال خالد عمران؟ النيّة مزدوجة والأفضل التعدد لمن استطاع

من جانبه، أكد الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، المبدأ ذاته، مشيرًا إلى أن الجمع بين نيتي الأضحية والعقيقة جائز شرعًا، ولا مانع منه من حيث النصوص، مستندًا إلى قاعدة شرعية واسعة تُجيز تداخل العبادات في حال اتحد سببها أو زمانها.

وفي مداخلة له عبر فضائية “إكسترا نيوز”، أشار عمران إلى أن الجمع بين النيتين لا يُبطل أيًّا من الأجريْن، بل يُثاب الإنسان على الأضحية والعقيقة معًا، مضيفًا أن من استطاع أن يُفرّق بين الذبائح، فالأفضل له أن يُعدّد في الذبائح لمزيد من الأجر، ولمضاعفة النفع للفقراء والمحتاجين.

وقال عمران:

“إذا كان المسلم قادرًا ماديًا، فليُكرم الفقراء بتعدد الذبائح. لكن من لم يقدر، فالجمع بين النيتين جائز ولا حرج فيه”.

رابعًا: شروط صحّة الذبيحة.. لا نية دون سلامة الجسد

وفي سياق الحديث عن صحة الأضحية، نبّه الدكتور خالد عمران إلى ضرورة تحقق شروط سلامة الذبيحة من العيوب الشرعية، مشيرًا إلى أن الأصل في الأضحية والعقيقة أن تكون الذبيحة سليمة من العيوب التي تؤثر على صلاحية اللحم للأكل أو للتوزيع.

وتشمل الشروط:

أن تكون الذبيحة سليمة من الأمراض.

ألا تكون عرجاء بينة العرج.

ألا تكون عوراء أو هزيلة.

أن تبلغ السن الشرعي للأضحية: وهي ستة أشهر للضأن، وسنة للماعز، وسنتان للبقر، وخمس للإبل.

وأكد عمران على أهمية الكشف الطبي للذبيحة قبل الذبح، لضمان صحتها وخلوها من أي أمراض قد تضر بمن يتناول لحمها، مشددًا على أن المقصود بالأضحية والعقيقة ليس مجرد الذبح، بل تحقيق مقاصد التكافل والتطهير والامتثال الشرعي.

رحابة الشريعة في مقاصد الذبح والتيسير على المسلمين

تمثل الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في هذه المسألة نموذجًا حيًا لمرونة الشريعة الإسلامية وتوازنها بين النصوص ومقاصد الأحكام، إذ تُجيز للمسلم الجمع بين العقيقة والأضحية، مع التأكيد على ضرورة احترام أحكام النذر والتخصص في النوايا عند اللزوم.

كما تبرز هذه الفتاوى أهمية النية الخالصة في العبادة، إلى جانب أهمية مراعاة صحة الذبيحة وشروطها، وهو ما يُظهر تماسك الشريعة في المزج بين الإخلاص القلبي والمتطلبات الظاهرية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى