وصايا نبوية تحفظ الروح وترعى الجسد قبل غفو الأعين
تقرير:مصطفى على
مع اقتراب ساعات الليل واستعداد الإنسان للنوم، تأتي السنّة النبوية الشريفة محمّلة بأذكار ووصايا روحية تُعدّ بمثابة درعٍ واقٍ للنفس، تملأ القلب بالسكينة وتربط العبد بربّه في لحظة خلوة وسكون إنها لحظة يختلي فيها الإنسان مع ذاته وربّه، ويودّع يومه بذكر الله، مستودعًا نفسه بين يديه، في طقوس إيمانية عظيمة علّمنا إياها النبي ﷺ.
تسليم النفس لله عز وجل
“باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه”
من أبرز ما أوصى به النبي ﷺ أن يبدأ المسلم نومه بتفويض أمره لله قائلًا:
“باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”.
في هذه الكلمات تتجلى معاني التسليم الكامل لله، حيث يُسلِم المؤمن روحه بين يدي خالقها، طالبًا الرحمة إن قبضها، والحفظ إن ردّها.
دعاء العافية والاستغفار
تسليم الروح بين يدي الرحيم الغفور
في دعاء آخر يوجه فيه النبي ﷺ المؤمن لطلب العافية والمغفرة، فيقول:
“اللهم إنك خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتّها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية”.
ويُستحب تكرار الدعاء:
“اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك”
ثلاث مرات، وهو دعاء نبوي جاء في صحيح مسلم، يؤكد أهمية التذكير بيوم القيامة عند كل ختام يوم.
الذكر العام قبل النوم
توحيد وتسبيح واعتراف بالذنب
في إطار الأذكار الشاملة، تتضمن السُنّة ترديد دعاء:
“اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت… فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.
ويُعرف هذا الذكر بدعاء سيد الاستغفار، وقد ورد في صحيح البخاري، وجعله النبي ﷺ من أفضل الأدعية، خصوصًا عند ختام اليوم.
الحماية من النفس والشيطان
دعاء الاستعاذة من الشرور قبل الغفوة
أوصى النبي ﷺ أيضًا بدعاء خاص للحماية من وساوس النفس والشيطان، قائلًا:
“اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشِرْكه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم”.
هذا الدعاء يربط القلب بالخالق، مستشعرًا علمه الواسع، وقوته المطلقة، وسلطانه الشامل.
تسليم كامل وبيعة إيمانية قبل النوم
تجديد الإيمان بالنبي ﷺ والقرآن الكريم
تُختم الأدعية النبوية عادةً بكلمات عميقة في المعنى:
“اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت”.
هذا الدعاء، كما في صحيح البخاري، يُعدّ تجديدًا لعهد الإيمان، ومبايعة روحية قبل دخول عالم المنام.
وصية النبي ﷺ لفاطمة وعلي: الذكر العددي قبل النوم
99 تسبيحة تقود إلى طمأنينة عميقة
أوصى النبي ﷺ ابنته السيدة فاطمة الزهراء وزوجها الإمام علي رضي الله عنهما، أن يُرددا قبل النوم:
سبحان الله 33 مرة
الحمد لله 33 مرة
الله أكبر 34 مرة
تبلغ عدد هذه التسابيح 100 تسبيحة، وهي ذكرٌ جامع للثناء والحمد والتكبير، ومفتاح للنفس المطمئنة كما ورد في الحديث الشريف.
سور الحماية: درع من القرآن
قراءة الإخلاص والمعوذتين وسورة الكافرون وآية الكرسي
من سنن النوم قراءة:
سورة الإخلاص ثلاث مرات
سورة الفلق ثلاث مرات
سورة الناس ثلاث مرات
سورة الكافرون مرة واحدة
آية الكرسي
آخر آيتين من سورة البقرة
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن هذه السور تحفظ الإنسان من الشرور، وتكون له حرزًا من الشيطان حتى يصبح.
استغفار يغفر الذنوب كزبد البحر
ذكر جامع يمحو الخطايا
ورد عن النبي ﷺ قوله:
“من قال حين يأوي إلى فراشه:
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله وبحمده، الحمد لله، لا إله إلا الله، والله أكبر)
غُفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر”.
رواه الترمذي وغيره، وهو دعاء شامل يتضمن التوحيد، والحمد، والتسبيح، والتكبير، والاستعانة بالله، ويعد من أفضل ما يختم به المسلم يومه.
آداب النوم النبوية
مسح الفراش، النوم على الشق الأيمن، وصلاة الوتر
قبل النوم، أوصى النبي ﷺ بـ:
نفض الفراش ثلاث مرات
النوم على الشق الأيمن
صلاة الوتر، وهي سنة مؤكدة، ويُفضَّل أداؤها بعد صلاة التهجد لمن استطاع، أو قبل النوم لمن خشي أن لا يستيقظ.
أذكار النوم سبيل للطمأنينة والنجاة
تسليم القلب والعقل والبدن إلى الله في ختام اليوم
ما أجملها من وصايا نبوية، تجمع بين الروحانية والسكينة، وتزرع في قلب المؤمن الإيمان والتوكل والأمان، في وقت تنفصل فيه الروح عن الواقع مؤقتًا إنها لحظات لا تُقدّر بثمن، تروي القلب وتُحيي الروح، وتجعل من كل ليلة رحلة إيمانية مباركة نحو الله.