يهود إيران في قلب التحولات الجيوسياسية
قراءة في ضوء الروايات الدينية وعلامات الساعة
تقرير حسني شومان
في خضم الاضطرابات المتزايدة في المنطقة، تبرز تساؤلات قديمة جديدة حول الدور الذي قد يلعبه يهود إيران
لا سيما جماعة يهود أصفهان، في الأحداث المتسارعة على المستويين السياسي والديني
بينما يتابع العالم تطورات الحروب والنزاعات من منظور استراتيجي، ينظر البعض إلى هذه الأحداث من زاوية عقدية تستند إلى الأحاديث النبوية الشريفة
التي ربطت ظهور المسيح الدجال بجماعات معينة ومناطق جغرافية محددة
فهل هناك فعلاً ارتباط بين يهود إيران – وتحديدًا يهود أصفهان – وبين نبوءات آخر الزمان؟
وكيف نفهم هذه العلاقة في ضوء النصوص الشرعية والتاريخية دون الوقوع في فخ التسييس أو الإسقاط المتعجل؟
يهود إيران: الحضور التاريخي والديني
يقول الدكتور أحمد مصطفي مدير مركز اسيا للدراسات السياسية والاقتصادية
يعتبر يهود إيران واحدة من أقدم الجماعات اليهودية خارج فلسطين، حيث يعود وجودهم إلى أكثر من 2500 عام
وقد حظوا بفترات من الاستقرار والازدهار في بعض العهود، لا سيما في أصفهان وطهران وشيراز وهمدان،
وهم يمثلون اليوم أقلية معترف بها دستوريًا في إيران المعاصرة، رغم تناقص عددهم.
ومع أن يهود إيران بعيدون عن الصهيونية سياسيًا في الظاهر، إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى تداخلات غير معلنة تربط بعض أفرادهم، خاصة من حملة الجنسيات المزدوج
بمشاريع إقليمية تخدم أهدافًا دولية تتجاوز إيران، وهو ما يُغذّي نظريات المؤامرة خصوصًا في سياق النزاعات الإيرانية–الإسرائيلية
علاقة يهود إيران الأحداث الحالية
ويضيف الدكتور مصطفي ان هجوم الكيان الصهيوني على إيران في 13 يونيو 2025 يسلط الضوء على الموقف الفريد لليهود الإيرانيين الذين رفضوا تاريخيًا الانتقال إلى إسرائيل
فهم يظهرون الولاء لإيران مع الحفاظ على هويتهم اليهودية المتجذرة في تاريخهم الطويل في البلاد. وخلافًا للعديد من الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم، يختار اليهود الإيرانيون البقاء في وطن أجدادهم،
حتى مع عداء الدولة الصهيونية. وترتبط معارضتهم لإسرائيل ارتباطًا عميقًا بهويتهم كإيرانيين وتنعكس في تمثيلهم في البرلمان الإيراني
مما يشير إلى دورهم في تشكيل السياسات الوطنية.
يثير هذا الهجوم الأخير مخاوف بشأن مستقبل اليهود الإيرانيين في منطقة تشهد توترات متزايدة بين إيران وإسرائيل
فرفضهم للصهيونية يتجاوز الرموز، فهو مرتبط بسياقهم الثقافي والتاريخي. وعلى الرغم من إمكانية حصولهم على الجنسية الإسرائيلية
إلا أن أقل من 10% من اليهود الإيرانيين انتقلوا إلى إسرائيل منذ تأسيسها، مما يدل على ارتباطهم القوي بإيران
ولا تنبع معارضتهم للسياسات الإسرائيلية من الأيديولوجية فحسب، بل من التزامهم بالعدالة وحقوق الإنسان التي يشعرون أن الكيان الصهيوني ينتهكها.
أحاديث الدجال ويهود أصفهان: بين الغيب والسياسة
يقول الدكتور إبراهيم الأزهري الباحث بالازهر الشريف
ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ:
“يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة.” – رواه مسلم
هذا الحديث يعد من أشهر النصوص المتعلقة بـ”علامات الساعة الكبرى”، وقد أثار تفسيرات كثيرة عبر القرون، أبرزها:
• أن أصفهان ستكون مركزًا لنشاط أنصار الدجال، إما بمعنى روحي (اتباع باطني)، أو مادي مباشر (التمكين العسكري والسياسي).
• أن العدد “سبعون ألفًا” قد يُشير إلى الكثرة والنفوذ، لا العدد الحرفي.
• أن الطيالسة ترمز إلى لباس دينيّ يهودي تقليدي، مما يربط بين الانتماء العقدي والدعم العلني.
لكن من المهم التأكيد أن هذه الأحاديث تُعد من علامات الساعة الكبرى التي لم تقع بعد، وبالتالي، لا يجوز إسقاطها مباشرة على وقائع سياسية معاصرة دون بينة قطعية
مع الإقرار بإمكانية وجود إرهاصات أو تمهيدات لها ضمن السياق التاريخي.
تحولات الراهن السياسي والديني: هل من مؤشرات؟
من زاوية واقعية، تشهد إيران توترًا داخليًا متصاعدًا، وتلعب أدوارًا إقليمية معقدة في ملفات اليمن وسوريا والعراق وفلسطين. وقد دخلت علاقاتها مع إسرائيل مؤخرًا في مرحلة غير مسبوقة من التصعيد، تجلّت في اغتيالات علمية، وهجمات سيبرانية، وتهديدات متبادلة بضرب المنشآت.
في هذا السياق، يرى البعض أن المشهد يتهيّأ تدريجيًا لمرحلة حاسمة تاريخيًا، ربما تشبه – في نظر المتدينين –
ما وصفته الأحاديث عن نهاية الزمان، من حيث الفوضى والتداخل بين الحق والباطل، والتحالفات الغريبة، والانكشاف الأخلاقي والسياسي
ومع عودة الخطاب الديني في إيران إلى الواجهة، وربطه بالمهدوية والظهور، تزداد التكهنات حول الدور الديني المغيّب ليهود إيران داخل هذه المعادلة.
رؤية عقدية: بين علامات الساعة والتحذير من التأويل الخاطئ
من منظور ديني، علامات الساعة الكبرى، كخروج الدجال، ليست قضية تحليل سياسي، بل خبر غيبي ثابت، لا يجوز التلاعب به أو ربطه بأي حدث معاصر بشكل قاطع دون دلائل شرعية صريحة.
لكن في الوقت ذاته، يجوز للعلماء والمفكرين رصد التحولات، وقراءة الأحداث قراءة تأملية تستفيد من النصوص، دون أن تقطع بأن هذا هو عين ما ورد في الحديث. قال تعالى: “هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى”
دور المسلم في زمن الفتن: الوعي لا التهويل
إن المتأمل في أحاديث النبي ﷺ عن الفتن وعلامات الساعة يلاحظ أنها ليست مجرد أخبار غيبية للإثارة
بل توجيهات عملية للسلوك والتمسك بالحق في أزمنة الالتباس. ففي الحديث الشريف:
“بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا…” – رواه مسلم.
ولذلك، فإن الواجب على المسلم في خضم ما يُثار من إسقاطات وتأويلات لأحداث آخر الزمان أن
1. يتحقق من الأخبار ولا يسير خلف الشائعات.
فليست كل رواية تُنشر عن يهود أصفهان أو غيرهم تُعد برهانًا على وقوع علامات الساعة.
2. يتمسك بالعلم الموثق والمنهج الشرعي.
خاصة عند التعامل مع الغيبيات، فإن الموازنة بين الإيمان بالغيب والامتناع عن التسرع في التأويل ضرورة دينية وأخلاقية.
3. يتجنب التصنيف العقدي والسياسي الظالم.
فليس كل يهودي في أصفهان أو غيرها تابع للدجال. فالحديث يخص فئة معينة في وقت معين، ولا يجوز تعميم الحكم أو ممارسة التكفير الجماعي.
بين أصفهان والقدس: مركزية الصراع ونهاية التاريخ
إذا وسّعنا المنظور الجغرافي من أصفهان إلى القدس، نجد أن الروايات النبوية تُجمع على أن نهاية الدجال ستكون في بيت المقدس على يد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام
وهو ما يُبرز أن المعركة الكبرى في نهاية الزمان ليست سياسية فقط، بل دينية وكونية.
ومع ذلك، فإن علامات الساعة ليست مبررًا للتقاعس أو السلبية، بل هي دعوة للاستعداد بالصلاح، والوعي، والتربية، وتحقيق العدالة، وبناء الذات، والتمسك بالقرآن والسنة.
ما بين الغيب والواقع
يهود إيران – وخاصة أصفهان – مذكورون في الحديث النبوي كمؤيدين للدجال، لكن ذلك يخصّ زمانًا مستقبليًا وظرفًا غيبيًا، لا يُجزم بأنه وقع.
• الربط بين الواقع السياسي والحديث الشريف ممكن تأمليًا، لكن دون حسم أو استغلال للحديث في تأجيج الكراهية أو التعميم غير الشرعي.
• الواجب اليوم ليس التخويف باسم الدين، بل الفهم والتثبيت، والعمل الصالح، والتربية العقدية، وبناء الوعي الجماعي.
• علامات الساعة تذكيرٌ بالخاتمة وليست تحليلاً استراتيجيًا، والموفَّق من اعتبر بها وأعد لها قلبًا وعقلاً وسلوكًا.
حين يخبرنا رسول الله ﷺ عن مشاهد الفتن، ويُحدّثنا عن تبعية بعض يهود أصفهان للدجال، فهو لا يدعونا إلى الفزع، بل إلى الاستعداد.
لا يُطلب منا أن نطارد السراب، بل أن نصبر، ونتمسك بالحق، ونقيم العدل، ونثبّت الأقدام في زمن التيه.
فالخوف الحقيقي ليس من فتنة الدجال فقط، بل من أن يُزيّف أحدنا وعيه، أو يتبع باطلًا يُلبس لبوس الحق.
رغم أهمية فهم التاريخ والتحولات الدينية والسياسية التي تحيط بجماعات مثل يهود أصفهان
ينبغي التمييز دائمًا بين التحليل العقائدي التأملي وبين الادعاءات القطعية غير المستندة لنصوص أو دلائل علمية.
يبقى الحديث النبوي عن يهود أصفهان أحد المؤشرات الكبرى ضمن مشهد علامات الساعة، لكنه في ذاته لا يُلغي وجوب قراءة الواقع بمعايير الفقه والعدل والعقل، دون تهويل أو إسقاط متعجل. فلعلّنا نكون في زمان التمحيص، أو لعلّ الزمان لم يأتِ بعد.