في مشهد يعيد إلى الأذهان صفحات من التاريخ الإسلامي، وصل أربعة حجاج، ثلاثة منهم من إسبانيا وواحد مغربي، إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج.
بعد رحلة استثنائية على ظهور الخيول استغرقت نحو ثمانية أشهر، قطعوا خلالها ما يقارب 8000 كيلومتر عبر 11 دولة. في مسعى لإحياء طرق الحج التقليدية التي سلكها المسلمون في العصر الأندلسي.
بدأت الرحلة في سبتمبر 2024 من جنوب إسبانيا، بقيادة عبد الله هيرنانديز مانشا. حيث تعهّد قبل 30 عامًا بأداء الحج على ظهر جواد عربي أصيل.
ومع كل خطوة على دروب القارات، كان الحجاج يشعرون – على حد قولهم – بأنهم يكسبون الحسنات. ويعيشون تجربة روحانية فريدة، تزداد عمقًا رغم مشقات الطريق وتقلّب الطقس ووعورة التضاريس.
محطات الرحلة
مرّت القافلة، التي رافقها مغربي وموريتاني في بعض المراحل، عبر فرنسا، إيطاليا، سلوفينيا، كرواتيا، صربيا، البوسنة، بلغاريا، تركيا، سوريا، ثم الأردن، قبل أن تصل أخيرًا إلى منفذ الحديثة الحدودي في السعودية.
وشهدت الرحلة مشاهد مؤثرة، أبرزها دخول أحد المشاركين الإيطاليين، ستيفانو، في الإسلام، وكذلك إسلام زوجة أحد الحجاج خلال الطريق.
في سوريا، كان الاستقبال لافتًا؛ حيث احتفى الأهالي بالحجاج الإسبان بالعراضات الشعبية في مدينة حمص. وصلّوا معهم في جامع خالد بن الوليد الشهير، كما شاركوا في إحياء ذكرى شهداء الثورة السورية في ساحة الساعة.
وقال أحد الحجاج، عبد القادر حركاسي، إن السوريين قدّموا لهم حفاوة لم يشهدوا مثلها في أي مكان آخر، معبّرين عن أملهم في عودة الأمن والاستقرار لسوريا وشعبها.
تجربة عابرة للزمن
عند وصولهم إلى الحدود السعودية، تداول مستخدمو مواقع التواصل مقطعًا مؤثرًا للحظة استقبالهم، حيث ظهر الحجاج الأربعة وهم مغبرّون منهكون. بينما استُقبلوا بالتصفيق والورود من مسؤولي منفذ الحديثة، يتقدّمهم ممدوح المطيري، مدير المركز، الذي وصف رحلتهم بأنها “رمز قوي للإيمان والالتزام”.
وأجريت للحجاج فحوصات طبية سريعة، وجرى تقديم المرطّبات والمستلزمات اللازمة لهم. فيما أقامت جمعية تنمية الحديثة حفل استقبال خاص على شرفهم، في مشهد جمع بين روحانية الرحلة وكرم الضيافة.
رحلة الحجاج الإسبان لم تكن مجرد عبور جغرافي، بل تجربة عابرة للزمن والثقافات. أعادت إلى الذاكرة طرق الحجيج القديمة، حين كان السفر إلى مكة مغامرة روحية وجسدية، محفوفة بالإيمان والمشقّة، والقصص التي تُروى لأجيال قادمة.