وزير الشؤون الدينية ببروناي يشيد بدور الأزهر في نشر الوسطية ويبحث تعزيز التعاون العلمي
كتب: مصطفى على
في سياق علمي وروحي بالغ الأهمية، استضافت جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية بسلطنة بروناي دار السلام مؤتمرًا دوليًا علميًا حمل عنوان: “المذهب الشافعي في العصر الرقمي.. الأهمية والتحديات”، وذلك على مدار يومي 3 و4 يونيو الجاري.
شهد المؤتمر حضورًا واسعًا من العلماء والباحثين من مختلف الدول الإسلامية، حيث ناقش المشاركون سبل مواكبة المذاهب الإسلامية وخاصة المذهب الشافعي للمتغيرات الرقمية الراهنة، وضرورة صيانة التراث الديني في مواجهة تيارات الغلو والتطرف من جهة، والعلمنة والانفصال عن الجذور من جهة أخرى.
ضمن فعاليات المؤتمر، كان اللقاء الأبرز الذي جمع بين الوزير فيهين داتؤ حاج بدر الدين عثمان، وزير الشئون الدينية بسلطنة بروناي دار السلام، وفضيلة الأستاذ الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، حيث تركز الحديث حول دور الأزهر الريادي في نشر الفكر الوسطي، وتعزيز التعاون الديني بين المؤسسات الإسلامية حول العالم.
إشادة بروناي بدور الأزهر في حماية هوية الإسلام المعتدل
الوزير البروناوي أعرب خلال اللقاء عن بالغ تقديره لمشاركة الأزهر الشريف في هذا الحدث العلمي البارز، مؤكّدًا أن حضور الأزهر يُضفي على المؤتمر ثقلاً معرفيًا وروحيًا خاصًا، لما يحمله من مكانة مرموقة كمرجعية دينية وفكرية عالمية.
كما أشاد بالدور الذي يضطلع به الأزهر في ترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال، ونشر الفهم الصحيح للإسلام القائم على الرحمة والعقلانية، بعيدًا عن مظاهر الغلو والانحراف التي تُهدّد صورة الإسلام النقية.
وأشار الوزير إلى أن وزارة الشئون الدينية في بروناي حريصة على مد جسور التعاون مع الأزهر الشريف، من خلال تبادل الخبرات في مجالات التعليم الديني، والدعوة، والبحث العلمي، بما يسهم في النهوض بالمؤسسات الدينية والتعليمية في بروناي وفق نهج أزهري متزن.
الأزهر: مشاركتنا واجب ومسؤولية في خدمة الأمة
من جانبه، عبَّر الأستاذ الدكتور محمد الجندي عن شكره للوزير البروناوي على حفاوة الاستقبال ودفء اللقاء، مؤكدًا أن هذه المبادرات تُجسد روح التآلف والتعاون بين المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي.
وأضاف أن مشاركة مجمع البحوث الإسلامية في هذا المؤتمر تأتي انطلاقًا من رسالة الأزهر العالمية، التي تقوم على نشر الاعتدال، وتوطيد الشراكات الفكرية والعلمية والدينية، من أجل التصدي للتحديات الفكرية التي تواجه الأمة.
وشدَّد فضيلته على أن الأزهر ينظر إلى هذا اللقاء باعتباره خطوة عملية نحو تعميق التعاون البنّاء بين البلدين، وتوسيع دائرة تبادل الخبرات العلمية والبحثية، بما يسهم في تكوين وعي ديني معاصر قادر على مخاطبة الشباب بلغة العصر، دون تفريط في الثوابت أو تجاوز للتراث.
أفق جديد لتبادل الخبرات الدينية والتعليمية
وأكد الجانبان خلال اللقاء على أهمية بناء مشاريع علمية مشتركة، تتضمن تبادل البعثات الطلابية والدعوية، وتنظيم ورش عمل ومؤتمرات مشتركة، بما يعزز من الحضور الأزهري في جنوب شرق آسيا، ويُثري التجربة التعليمية والدينية في بروناي.
وقد أشاد الطرفان بالأثر الطيب الذي يتركه خريجو الأزهر الشريف في مختلف بقاع العالم، حيث يمثلون نموذجًا راقيًا للعالم الأزهري الذي يجمع بين التكوين العلمي الرصين، والانفتاح على قضايا العصر، والإخلاص في خدمة الإسلام والإنسانية.
لقاء يحمل أبعادًا تتجاوز البروتوكول
اللقاء بين الوزير البروناوي والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي على هامش مؤتمر علمي، بل جاء تتويجًا لمسيرة طويلة من الاحترام المتبادل بين بروناي والأزهر، وإعلانًا صريحًا عن نية الطرفين في الدخول إلى مرحلة أكثر عمقًا من التعاون الديني والعلمي.
وقد تمثل ذلك في مناقشة مبادرات ملموسة لتوسيع مظلة التعاون، سواء عبر دعم المؤسسات التعليمية الدينية في بروناي، أو عبر إرسال علماء من الأزهر الشريف للإشراف على برامج التكوين الشرعي والدعوي هناك، فضلًا عن بحث آفاق التعاون في ترجمة ونشر مؤلفات التراث الشافعي.
الأزهر وبروناي.. نموذج لوحدة العالم الإسلامي في وجه التحديات
في ظل ما يشهده العالم الإسلامي من تحديات فكرية وأخلاقية وثقافية، برزت أهمية هذا اللقاء بين قيادات دينية رفيعة المستوى، تُدرك أن الحفاظ على الهوية الإسلامية الجامعة يتطلب تضافر الجهود وتنسيق المواقف. فبينما تمثل بروناي نموذجًا لدولة إسلامية محافظة تجمع بين الحداثة والتقاليد، يظل الأزهر الشريف منارة كبرى للفكر الإسلامي المستنير، وحصنًا منيعًا ضد تيارات التطرف والانغلاق.
إن هذا اللقاء ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة الجهود التي يبذلها الأزهر الشريف لتعزيز العلاقات الدينية والعلمية مع مختلف الدول الإسلامية، انطلاقًا من رسالته الحضارية والإنسانية، وإيمانًا بأن وحدة الصف الإسلامي وتبادل الخبرات والمعارف هما السلاح الأنجع في مواجهة العواصف الفكرية المعاصرة.
الأزهر في صدارة المشهد الدولي
هكذا يواصل الأزهر الشريف حضوره العالمي المتميز، ليس فقط من خلال كتبه ومناهجه وخرّيجيه، بل من خلال دبلوماسيته الدينية الحكيمة، التي تجمع بين الأصالة والانفتاح، وتضع مصلحة الأمة الإسلامية فوق كل اعتبار.
وبينما تنفتح بروناي على هذا التعاون المبارك، تبقى الآمال معلّقة على تفعيل ما تم الاتفاق عليه، وترجمته إلى مشروعات ميدانية، تعود بالنفع على الأجيال القادمة، وتحفظ للوسطية الإسلامية مكانتها في قلب العصر الرقمي.