مصطفى فرغلي يكتب: اشتري نفسك في يوم عرفة
فضل الله سبحانه وتعالى بعض الأيام على بعض، والأيام الفاضلة هي مواسم لنفحات الله يتفضل فيها على عباده فيغفر الذنوب، ويرفع الدرجات، ومن تلك الأيام الفاضلة يوم عرفة، فقيل إن يوم عرفة أفضل الأيام لقوله ﷺ: “«”ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة.
يوم عرفة يوم العتق من النار ، يوم تغفر فيه الذنوب، فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن من عليهم بأيام مباركة يضاعف لهم فيها الأجر، ويعطي فيها جزيل الثواب رحمة منه وكرما، ومنها الأيام العشر الأولي من ذي الحجة.
فمما امتازت به عشر ذي الحجة، وفضلت به على غيرها من أيام العام أن فيها يوم عرفة، وهو يوم من أعظم أيام الله، يوم تغفر فيه الزلات، وتجاب فيه الدعوات، ويباهي الله بعباده أهل السماوات.
فقد تفرد الله سبحانه وتعالى بالخلق والاختيار، حيث قال سبحانه وتعالى في محكم آياته وتنزيله ” وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون”.
فمن رحمته بالعباد أن فاضل بين الأوقات والأزمنة، فاختار منها أوقاتاً خصها بمزيد الفضل وزيادة الأجر ، ليكون ذلك أدعى لشحذ الهمم ، وتجديد العزائم، والمسابقة في الخيرات والتعرض للنفحات، ومن هذه الأزمنة الفاضلة هذه الأيام أيام العشر من ذي الحجة التي اختصت بعدد من الفضائل والخصائص.
فقد أقسم الله بها في كتابه تنويها بشرفها وعظم شأنها فقال سبحانه: ” والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر ” ، قال عدد من أهل العلم: إنها عشر ذي الحجة.
يوم عرفة.
يوم عرفة هوا يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا “، قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
يوم عرفة ، هو من مفاخر ايام المسلمين وأعيادهم، لذا قال صلى الله عليه وسلم: “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب”.
يوم عرفه هوا يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، فما أجله من يوم، وما أعظمه من موقف، قال عليه الصلاة والسلام: ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء “, وقال في حديث آخر: ” إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ”
وكفى يوم عرفة شرفاً أن الله أقسم به في كتابه ، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى : {وشاهد ومشهود} ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود، يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة” , وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله : {والشفع والوتر} ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة”.
ومن أسباب الرحمة والمغفرة في يوم عرفة الإكثار من الذكر والدعاء، وخصوصاً شهادة التوحيد ، فإنها أصل دين الإسلام الذي أكمله الله تعالى في هذا اليوم ، قال صلى الله عليه وسلم ” خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”.
واعلم أن موقف عرفة موقف مهيب عظيم تنوعت فيه مشاعر الصالحين، وتعددت فيه مواقفهم، فمنهم من غلب عليه الخوف والحياء، كما فعل مطرف بن عبد الله بن الشخير و بكر المزني حين وقفا بعرفة فقال أحدهما: “اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي”، وقال الآخر: “ما أشرفه من موقف وأرجاه لولا أني فيه”، ووقف الفضيل بن عياض بعرفة والناس يدعون، وهو يبكي بكاء الثكلى، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: “واسوأتاه منك وإن عفوت”.
ومنهم من تعلق بأذيال الرجاء طمعاً في رحمة الله وكرمه، يقول ابن المبارك : جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له، ونظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً، يعني سدس درهم، أكان يردهم ؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
وقال ابن القيم رحِمَهُ اللّٰه -:اشتر نفسك اليوم؛ فإنّ السوق قائمة،والثمن موجود، والبضائع رخيصة.
وقال الإمام النووي عن يوم عرفة , فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه في الذكر والدعاء وفي قراءة القرآن، وأن يدعو بأنواع الأدعية، ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه، ويذكر في كل مكان.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : “ليس في الأرض يوم إلا لله فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقًا للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم أعتق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقة الجن والأنس”.