خبير قانون دولي لـ”اليوم”: 7 جرائم ارتكبتها إسرائيل باحتجاز السفينة مادلين
مهران: هذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تستوجب المحاكمة الدولية العاجلة
في انتهاك خطير للقانون الدولي، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتراض سفينة “مادلين” المدنية التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، واحتجزت عشرات النشطاء الدوليين على متنها، في مقدمتهم طاقم طبي ونساء وأطفال.
ووصف الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، هذا الاعتراض بأنه “جريمة دولية متعددة الأركان”.
وشدد في تصريحات لموقع “اليوم” على أن الحادثة تمثل انتهاكًا صريحًا لأكثر من عشر اتفاقيات دولية. كما تستوجب المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
أولًا: قرصنة بحرية بموجب القانون الدولي
ويرى مهران أن اعتراض السفينة مادلين على بعد 120 ميلاً من شواطئ غزة يعني أنها كانت في المياه الدولية. كما يجعل اعتراضها دون إذن من دولة العلَم (المملكة المتحدة) مخالفًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
ويوضح أن السفينة كانت ترفع علمًا بريطانيًا، وهي بالتالي تتمتع بالحماية القانونية الكاملة لدولة العلم. كما لا يجوز لدولة أخرى أن تعترضها أو تفتشها أو تعتقل من على متنها دون إذن صريح ومسبق. واعتبر أن ما قامت به إسرائيل هو قرصنة بحرية مكتملة الأركان.
ويستشهد مهران بالاتفاقيات الدولية التي تعرف القرصنة بأنها “أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو السلب ترتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم سفينة خاصة ضد سفينة أخرى في أعالي البحار”.
وفي حين أن إسرائيل دولة وليست جهة خاصة، إلا أن المادة (101) تنطبق متى تم اعتراض السفينة في المياه الدولية دون تفويض دولي، كما هو الحال هنا، وفق قوله.
ثانيًا: جريمة عقاب جماعي وحصار إنساني
يشدد مهران على أن اعتراض السفينة لم يكن مجرد إجراء أمني بل كان جزءًا من سياسة ممنهجة لفرض العقاب الجماعي على سكان غزة.
ويقول إن المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تنص صراحة على حظر العقوبات الجماعية على السكان المدنيين. ما يحدث في غزة هو جريمة عقاب جماعي موصوفة، تتكرر منذ سنوات، وتصل ذروتها بمنع الغذاء والدواء عن المدنيين.
ويتابع: “السفينة كانت تحمل مستلزمات طبية وأطرافًا صناعية لضحايا العدوان، وحليبًا للأطفال. اعتراضها هو منع متعمد للمساعدات الإنسانية، وهو ما يخالف المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تفرض على أطراف النزاع السماح بحرية مرور المساعدات”.
ويضيف أن استخدام الحصار لتجويع السكان “يعد جريمة حرب بموجب المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، التي تحظر استخدام الجوع كوسيلة من وسائل الحرب”.
ثالثًا: اعتقال تعسفي وانتهاك للعهد الدولي للحقوق المدنية
من بين أخطر ما وثّقه النشطاء المفرج عنهم، بحسب الدكتور مهران، عمليات الاعتقال التعسفي دون تهم أو إجراءات قانونية.
ويؤكد: المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر أي شكل من أشكال الاحتجاز غير المشروع. لم يعرض النشطاء على أي جهة قضائية، ولم يُسمح لهم بالاتصال بمحامين، كما لم تخطر السفارات المعنية باحتجازهم.
ويشير كذلك إلى خرق المادة 36 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية التي تلزم الدولة المحتجزة بإبلاغ السفارات إذا تم توقيف رعاياها، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل.
ويضيف: “ما يزيد من جسامة الانتهاك هو أن المعتقلين لم يكونوا مسلحين أو منخرطين في نزاع. بل نشطاء مدنيون وأطباء ومتضامنون سلميون. اعتقالهم بهذه الطريقة يُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي”.
رابعًا: استخدام التعذيب والمعاملة القاسية
يوضح الدكتور مهران أن شهادات النشطاء تكشف عن استخدام مواد مجهولة تسببت في أعراض جسدية ونفسية. كما يرقى إلى تعريف “التعذيب” بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.
ويقول: “اتفاقية مناهضة التعذيب تعرّف التعذيب بأنه أي عمل يُلحِق ألمًا أو معاناة شديدة، جسديًا أو نفسيًا، بقصد الحصول على معلومات أو معاقبة أو تخويف. كما أن رشّ المواد المجهولة على نشطاء عزّل، ووضعهم في غرف مظلمة دون معرفة موقعهم أو حقوقهم، هو تعذيب خالص”.
ويذكّر بأن المادة 2 من الاتفاقية تلزم الدول بعدم التذرع بأي ظروف استثنائية كمبرر للتعذيب، بما في ذلك الحرب أو التهديد الأمني.
خامسًا: مصادرة وسائل التوثيق وانتهاك الخصوصية
أفاد العديد من النشطاء أنه تم مصادرة هواتفهم المحمولة وكاميراتهم بالقوة، وتم إلقائها في البحر، ومنعهم من استخدام أي وسيلة توثيقية أثناء وبعد عملية الاحتجاز.
ويوضح: هذا السلوك يعد انتهاكًا للمادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية، التي تضمن حماية الحياة الخاصة والبيانات الشخصية. ويشير إلى وجود نية مسبقة لإخفاء الأدلة، وهو ما يعد سلوكًا يرقى إلى عرقلة سير العدالة”.
ويضيف أن إخفاء الأدلة وطمس الحقائق في الجرائم الدولية يعد جريمة مستقلة في القانون الجنائي الدولي، تضاف إلى الجرائم الأصلية.
سادسًا: دعوة لتحرك عاجل أمام الجنائية الدولية
يطالب مهران بـتحرك قانوني فوري أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويقول: نحن أمام سلسلة من الجرائم المتعاقبة: قرصنة، حصار، تعذيب، احتجاز تعسفي، ومنع للمساعدات الإنسانية.
وكلها تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، سواء بموجب المادة 7 (جرائم ضد الإنسانية) أو المادة 8 (جرائم حرب) من نظام روما الأساسي”، وفق المتحدث.
ويدعو إلى أن يشمل التحقيق الدولي القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بالكامل، من أصحاب القرار إلى منفذي العملية.
كما يطالب المملكة المتحدة بصفتها دولة العلم، والاتحاد الأوروبي بصفتهم ممثلين لعدد من المحتجزين، بضرورة تقديم شكاوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية، ومطالبة الأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي مستقل.
تحذير من إفلات متكرر من العقاب
يحذر الدكتور مهران من أن الصمت الدولي المتكرر أمام هذه الانتهاكات قد يغري بمزيد من الجرائم، قائلاً: “حين تتصرف دولة وكأنها فوق القانون، وتقوم بعمليات خطف دولية وتعذيب في عرض البحر، وتنجو من العقاب، فإن ذلك يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام القانوني الدولي”.
ويختتم بقوله: “ما جرى ليس مجرد عملية أمنية أو إجراء اعتراضي. إنها عملية تحمل بصمات جريمة مكتملة الأركان، وجب على المجتمع الدولي أن يواجهها بالقانون، لا بالبيانات الضعيفة”.