تقارير-و-تحقيقات

مصر وباكستان.. تحالف ديني ضد التطرف

كتب: مصطفى على

في مشهد عكس روح التفاهم والتقارب بين بلدين إسلاميين يمتلكان ثقلًا دينيًّا وفكريًّا في العالم الإسلامي، استقبل فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، اليوم الأحد، بمقر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة، سعادة السفير عامر شوكت، سفير جمهورية باكستان الإسلامية الجديد لدى مصر، في زيارة وُصفت بأنها تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون المؤسسي في ميادين الدعوة والفكر الديني المعتدل.

الزيارة لم تكن بروتوكولية فحسب، بل حملت بين طياتها رؤى استراتيجية للعمل المشترك بين المؤسستين الدينيتين في مصر وباكستان، تمحورت حول تبادل الخبرات، وتكثيف البرامج التعليمية والتدريبية، وتنسيق الجهود في مواجهة التيارات المتطرفة التي تعبث بأمن واستقرار المجتمعات الإسلامية.

المفتي يرحب بالسفير ويؤكد عمق العلاقات وروح الأخوة الإسلامية

رحب فضيلة المفتي بالسفير الباكستاني الجديد، واصفًا إياه بأنه “ضيف كريم في بلده الثاني مصر”، ومقدمًا له التهنئة على توليه منصبه الجديد، ومتمنيًا له مسيرة دبلوماسية ناجحة تُسهم في مدّ جسور التعاون البنّاء بين القاهرة وإسلام آباد، لا سيما في المجالات الدينية والعلمية والفكرية.

وأكد مفتي الجمهورية على أن العلاقة بين مصر وباكستان تتجاوز الأطر الدبلوماسية المعتادة، مشيرًا إلى أنها علاقة تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإسلامي المشترك، وهي تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون في القضايا الكبرى التي تشغل العالم الإسلامي، وفي مقدمتها مواجهة الفكر المنحرف، وتعزيز ثقافة الاعتدال، وتكريس مفاهيم العيش المشترك.

مواجهة مشتركة للفكر المتطرف والتأويلات المغلوطة

شدد المفتي خلال اللقاء على خطورة المرحلة التي يمر بها العالم الإسلامي، حيث تتكالب عليه تحديات داخلية وخارجية، وتبرز في مقدمتها جماعات متطرفة تسعى إلى تشويه صورة الدين، عبر التلاعب بالمفاهيم الدينية وتطويعها لخدمة أجندات عنف وتدمير.

وأوضح فضيلته أن دار الإفتاء المصرية كانت وما زالت في طليعة المؤسسات التي تتصدى لهذا الفكر، من خلال خطاب ديني متوازن، وتدريب كوادر دعوية مؤهلة، وفتح نوافذ للتواصل الفقهي والمعرفي مع مختلف دول العالم الإسلامي.

وأشار إلى أن باكستان، باعتبارها دولة إسلامية كبيرة، تواجه هي الأخرى تحديات مماثلة، ما يجعل التعاون مع دار الإفتاء أمرًا حيويًّا وملحًّا لتوحيد الجهود وتبادل التجارب في مجال مكافحة الغلو والتشدد.

برامج تدريبية شاملة للعلماء والطلاب الباكستانيين

أعلن مفتي الجمهورية عن استعداد دار الإفتاء الكامل لتقديم برامج تدريبية وتأهيلية متخصصة موجهة للعلماء والطلاب الباكستانيين المقيمين في مصر، أو الراغبين في التعلّم عن بُعد، حيث تشمل هذه البرامج مجالات الإفتاء المتقدم، وبناء الوعي الديني الرشيد، وآليات التصدي للفكر المتطرف، إضافة إلى مجالات استخدام التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، في تطوير العمل الدعوي والإفتائي.

وأشار إلى أن البرامج المقترحة يمكن تنفيذها بعدة صيغ، سواء بالحضور المباشر إلى دار الإفتاء، أو من خلال الوسائط الإلكترونية، أو حتى عبر إرسال وفود من علماء الدار إلى باكستان، بما يحقق أكبر قدر من التفاعل والاستفادة العملية، وينقل التجربة المصرية في تجديد الخطاب الديني إلى الساحة الباكستانية.

زيارة سابقة لباكستان.. ومشاركة في مؤتمر “تمكين المرأة”

وفي سياق تأكيده على عمق العلاقات بين المؤسستين الدينيتين، استعرض المفتي زيارته السابقة إلى باكستان، التي شهدت مشاركته في مؤتمر “تمكين المرأة”، ولقاءه بعدد من كبار الشخصيات الرسمية والدينية في البلاد.

وأكد أن هذه الزيارة كانت محطة محورية أسهمت في ترسيخ الاحترام المتبادل بين الجانبين، وكشفت عن رغبة مشتركة في تفعيل آليات التعاون، خاصة في ظل التقدير الكبير الذي تحظى به مؤسسات مصر الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.

السفير الباكستاني: مصر حاضنة للفكر الإسلامي المعتدل.. والتعاون ضرورة

من جانبه، عبّر السفير الباكستاني عن بالغ امتنانه لفضيلة المفتي على حفاوة الاستقبال، مؤكدًا أن مصر تمثل ركيزة روحية وفكرية كبرى للعالم الإسلامي، وأن ما تقدمه دار الإفتاء من جهود في التصدي للتطرف ونشر الفكر الوسطي يجعلها شريكًا استراتيجيًّا لباكستان في معركتها الفكرية والدينية ضد قوى الغلو والانحراف.

وأشار إلى وجود آلاف الطلاب الباكستانيين الذين يتلقون تعليمهم في الأزهر الشريف، مؤكدًا أنهم في حاجة إلى تأهيل إضافي في المجالات الشرعية والفكرية التي تتطلبها المرحلة، وأن التعاون مع دار الإفتاء يمكن أن يكون رافدًا مهمًّا في هذا الاتجاه.

كما عبّر عن تطلع بلاده إلى إقامة شراكة مؤسسية طويلة المدى مع دار الإفتاء، تشمل تبادل الخبرات، وتطوير المناهج، وتكثيف الأنشطة التعليمية والبحثية المشتركة، بما يُسهم في بناء قاعدة علمية رصينة قادرة على قيادة المجتمعات الإسلامية نحو الاعتدال والنهضة.

دعم ثابت لقضايا الأمة وترسيخ لقيم التسامح

شدد السفير الباكستاني على تقدير بلاده لمواقف دار الإفتاء المصرية في دعم القضايا المصيرية للأمة الإسلامية، وعلى رأسها محاربة الكراهية والتعصب، والدفاع عن قيم الرحمة والعيش المشترك.

وأكد أن باكستان ترى في دار الإفتاء المصرية شريكًا يمكنه أن يلعب دورًا محوريًّا في دعم استراتيجيتها لتأهيل العلماء والدعاة، ونشر ثقافة التسامح، وتعزيز الخطاب الديني المسؤول، الذي يحترم التعددية ويواجه الانغلاق والانعزال الفكري.

خطوة نحو شراكة فكرية تُحصّن المجتمعات

لم تكن زيارة السفير الباكستاني إلى دار الإفتاء مجرد مناسبة دبلوماسية عابرة، بل خطوة حقيقية نحو بناء شراكة فكرية ودينية يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين القاهرة وإسلام آباد، في وقت تتعاظم فيه الحاجة إلى خطاب ديني موحّد يُحصّن المجتمعات الإسلامية من الداخل، ويفتح آفاقًا للسلام والتفاهم في مواجهة عالم يزداد اضطرابًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى